وَلم يقل مِمَّا ترك لما قدمْنَاهُ من أَنه لم يشتق من الْعدَد لَفظه كَمَا اشتق الثُّلُث وَالسُّدُس وَالرّبع حَتَّى حسن فِيهَا أَن يَقُول الثُّلُث من كَذَا وَالرّبع من كَذَا أَي الْوَاحِد من هَذَا الْعدَد إِذْ لَفظه من لفظ الْعدَد وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْأُخْتَيْنِ {فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا ترك} لِأَنَّهُ ذكر بنتين فَصَارَ معنى الْكَلَام أَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا لَهَا الثُّلُث مِمَّا ترك أَي الْوَاحِد من ثَلَاثَة فَكَانَ اللَّفْظ بِحرف الْجَرّ أحسن مِنْهُ بِالْإِضَافَة وَقَالَ فِي الْبَنَات {فَإِن كن نسَاء} فَذكر جمَاعَة لَهُنَّ لثلثان فَقَالَ {ثلثا مَا ترك} فَكَانَت الْإِضَافَة أحسن من أجل أَن الثُّلثَيْنِ لفظ مقسوم بَينهُنَّ جمع فَلَيْسَ لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَاحِد من ثَلَاثَة كَمَا كَانَ للأختين فِي حَال التَّثْنِيَة وَلَو ذكر الْأَخَوَات بِلَفْظ الْجمع لقَالَ فِيهِنَّ كَمَا قَالَ فِي الْبَنَات {ثلثا مَا ترك} بِالْإِضَافَة
فَافْهَم تَنْزِيل الْأَلْفَاظ فِي منازلها وَإِعْطَاء الْمعَانِي حُقُوقهَا يلح لَك سر البلاغة وَبَين لَك حَقِيقَة الإعجاز فِي هَذَا الْكَلَام المحفوف بالإعظام والإعزاز المنزه عَن شَيْئَيْنِ الإطالة وإخلال الإيجاز فَهَذَا تَكْمِلَة لما بدأنا من شرح آيَة الْوَصِيَّة وَبَيَان إعجازها والتبيين لمعانيها والتنبيه على فوائدها فَمَا كَانَ من تَفْسِير معنى فمأخوذ من مَعَاني تَفْسِير السّلف دون سِيَاقَة أَلْفَاظه وَمَا كَانَ من تَنْبِيه على إِعْرَاب يُفِيد فهما فَمن أصُول النَّحْو وَمَا كَانَ من تَنْبِيه على إِشَارَة لَطِيفَة أَو تذكرة بحكمة أَو تَبْيِين لقانون البلاغة والتعريف بجوهر الْكَلَام وتحرير اللَّفْظ فَمن الْعُلُوم الْعَرَبيَّة الَّتِي نحمد الله على مَا منح مِنْهَا ونشكره شكرا يَقْتَضِي الْمَزِيد عَنهُ منعم حميد