هذا القبيل. فلما بلغ عليّا- عليه السّلام- أمرهم وقد كان خطب الناس في الكوفة وندبهم إلى قتال أهل الشّأم وإعادة الحرب جذعة قالوا: يا أمير المؤمنين: أين نمضي وندع هؤلاء الخوارج يخلفوننا في عيالنا وأموالنا؟ سر بنا إليهم فإذا فرغنا من قتالهم رجعنا إلى قتال أعدائنا من أهل الشأم: فسار- عليه السّلام- بالنّاس إلى الخوارج فلقيهم على النّهروان وأبادهم. فكأنما قيل لهم موتوا فماتوا.
لما التقى الخوارج بالنّهروان أجفلوا قدّامه إلى ناحية الجسر. فظنّ الناس أنّهم قد عبروا الجسر، فقالوا لعليّ- عليه السّلام-: يا أمير المؤمنين: إنّهم قد عبروا الجسر فالقهم قبل أن يبعدوا. فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: ما عبروا، وإنّ مصارعهم دون الجسر، وو الله لا يقتل منكم عشرة ولا يبقى منهم عشرة فشكّ الناس في قوله فلما أشرفوا على الجسر رأوهم لم يعبروا فكرّ أصحاب أمير المؤمنين- عليه السّلام- وقالوا له: هو كما قلت يا أمير المؤمنين. قال:
نعم والله ما كذبت ولا كذبت. فلمّا انفصلت الوقعة وسكنت الحرب اعتبر القتلى من أصحاب عليّ- عليه السّلام- فكانوا سبعة. وأما الخوارج: فذهبت طائفة منهم قبل أن تنشب الحرب وقالوا: والله ما ندري على أيّ شيء نقاتل عليّ- بن أبي طالب؟ سنأخذ ناحية حتى ننظر إلى ماذا يؤول الأمر. وأما الباقون: فثبتوا وقاتلوا فهلكوا جميعهم. ثم إنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- لما انقضى أمر الخوارج رجع إلى الكوفة، وندب [1] الناس إلى قتال أهل الشّام فتثاقلوا. فأعاد القول عليهم ووعظهم وحثّهم على الجهاد فقالوا: يا أمير المؤمنين: كلّت سيوفنا وفنيت نبالنا، ومللنا من الحرب فأمهلنا نصلح أمورنا ونتوجّه- وكان قد عسكر ظاهر الكوفة- فأمهلهم وأمرهم أن يوطّنوا نفوسهم على الحرب، ونهاهم عن غشيان [2] أهاليهم حتى يرجعوا من الشأم. فصاروا يتسلّلون ويدخلون الكوفة حتى خلا المعسكر منهم.