ذلك. ففي تلك الحال وصل كتاب من فارس بخمود النار، فازداد كسرى غمّا إلى غمّه وفي تلك الحال قام الموبذان [1] وقص الرؤيا التي رآها، قال: رأيت- أصلح الله الملك- كأنّ إبلا ضعافا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها فقال له كسرى: فأيّ شيء يكون تأويل هذا؟ قال أصلح الله الملك، حادث يحدث من جهة العرب وفشا الحديث بذلك بين العجم وتحدّث به الناس فسكن الرّعب قلوبهم وثبتت هيبة العرب في نفوسهم. ثم تتابعت أمثال هذه المنذرات الخواذل إلى آخر الأمر: فإنّ رستم لما خرج لمحاربة سعد بن أبي وقّاص رأى في منامه كان ملكا قد نزل من السماء، وجمع قسيّ الفرس وختم عليها وصعد بها إلى السماء، ثم انضمّ إلى ذلك ما كانوا يشاهدونه من سداد منطق العرب، وطمأنينة نفوسهم، وشدّة صبرهم على الشدائد ثم ما جرى في آخر الأمر من اختلاف كلمتهم بعد موت شهريار وجلوس يزدجرد على سرير المملكة وهو صبيّ حدث ضعيف الرأي. ثم الطّامّة الكبرى وهي انعكاس الريح عليهم في حرب القادسيّة، حتى أعمتهم بالغبار وعمّتهم بالدمار، وفيها قتل رستم [2] وانفلّ جيشهم. فانظر إلى هذه الخواذل، واعلم أن للَّه أمرا هو بالغه.

شرح الحال في تحيّز الجيش إلى العراق واستخلاص الملك من الفرس

كان ثغر [3] فارس من أثقل الثّغور على العرب، وأعظمها في نفوسهم وأكثرها هيبة. وكانوا يكرهون غزوة ويجنبون عنه استعظاما لشأن الأكاسرة، ولما هو مشهور من تدويخهم الأمم، حتى كان آخر أيام أبي بكر- رضي الله عنه- فقام رجل من الصحابة يقال له: المثنّى [4] بن حارثة- رضي الله عنه- وندب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015