وسلم- من وقعة بدر ومعه الأسرى والغنائم، وقد قتل الله رءوس المشركين، تلقّاه الناس من ظاهر المدينة عن أميال فجعلوا يهنئونه بالفتح، وجعل الناس يسأل بعضهم بعضا عمن هلك وسلم، فقال بعض الصحابة: والله ما قتلنا إلا عجائز صلعا. فأقبل عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- باللوم ولم يزل كالمعرض عنه، ثم قال له: أولئك يا ابن أخي الملأ. ومن مليح ما رأيت في هذا المعنى، قول حكيم الهند لبعض ملوكهم: لا تحقرنّ أمر الأعداء وإن صغروا، فإن الزبير [1] إذا جمع جعل منه حبل يشدّ به الفيل. وإغباب [2] الرأي من الأمور المهمّة. وأجود الرأي ما وقع فيه التأني والتثبّت، وبذلك يؤمن زلل الرّأي. قال الأحنف بن قيس [3] لأصحاب عليّ- عليه السلام- أغبّوا [4] الرأي فإنّ إغبابه يكشف لكم عن محضبه.

واستشير بعض العقلاء في أمر فسكت، فقيل له: لم لا تتكلم؟ فقال: ما أحبّ الخبز إلا بائتا [5] ، ولما عزم الخوارج على مبايعة عبد الله بن وهب [6] فرغوا من البيعة قال: اتركوا الرأي يغبّ- أي يأتي عليه يوم وليلة- وكان يستعيذ باللَّه من الرأي الفطير. [7] قالوا: مرّ الحارث بن زيد بالأحنف بن قيس، فقال له: لولا أنّك عجلان لشاورتك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015