فلا يصير أحد منهم يذمّ سيرته، ولا يزري عليه، ومتى كانت طباعهم منافية لطباعه، وأخلاقهم مضادّة لأخلاقه، أغروا بالإزراء عليه، والذمّ لأفعاله، وهذا سرّ لطيف منطو في قولهم! وقالوا: أحزم الملوك من تقدّم بإحكام الأمر قبل نزول حاجته. وتدارك المهمّ قبل وقوعه. قيل للإسكندر [1] : ما علامة دوام الملك؟ قال: الاقتداء بالحزم والجدّ في كل الأمور. قيل: فما علامة زواله؟ قال الهزل فيه. وقال أنوشروان [2] : الحزم حفظ ما ولّيت وترك ما كفيت. وقال آخر أحزم الملوك من ملك أمره، ودبّر خصاله، وقمع شهوته وقهر نوازعه. قالوا:
ينبغي أن يكون أول أمر الملك الحزم، فإذا وقع الأمر فينبغي أن يكون حينئذ الجدّ والاجتهاد. قيل لبعض فضلاء الملوك: نراك إذا وفد عليك وافد أطلت مجالسته، وربما لا يكون أهلا لذلك. قال: إنّ حقيقة حال الرجل لا تبين في مجلس أو مجلسين، فأنا أطاول عشرته وأختبره في عدة مجالس، فإن كان فاضلا اصطفيته، وإن كان ناقصا تركته. وقال آخر: لا ينبغي لأحد أن يدع الحزم لظفر ناله عاجز، ولا يرغب في تضييعه لنكبة دخلت على حازم. قالوا: من لم يقدّمه الحزم أخّره العجز. وقيل لعبد الملك [3] بن مروان: ما الحزم؟ قال: اختداع الناس بالمال واستمالتهم به، فإنّهم أتباعه، أين كان كانوا، وكيف مال مالوا. وقال بعض الملوك لبعض الحكماء: متى تكون الثّقة بالعدوّ حزما؟ قال: إذا شاورته في أمر هو لك وله. وقال مسلمة بن عبد الملك [4] : ما فرحت بظفر ابتدأته بعجز، ولا ندمت على مكروه ابتدأته بحزم.