أن يصدّقه الناس، وإمّا عيّ وحصر وعجز عن الكلام، فيريد أن يجعل اليمين تتمة لكلامه أو حشوا فيه، وإما أن يكون قد عرف أنه مشهور عند الناس بالكذب، فهو يجعل نفسه بمنزلة من لا يصدّق ولا يقبل قوله إلّا باليمين، وحينئذ كلّما ازداد إيمانا ازداد الناس له تكذيبا، والملك بمعزل عن هذه الدنايا كلّها، وقدره أكبر من ذلك.
ومن الخصال التي يستحبّ أن تكون معدومة في الملك: الحدّة، فإنّها ربّما أصدرت عنه فعلا يندم عليه حين لا ينفع الندم، وأكثر ما ترى الحداد من الرّجال سريعي الرّجوع، ولذلك قال- عليه الصلاة والسلام-: «خير أمّتي حدادها» . ومن الخصال التي يستحب عدمها في الملك: الضّجر والسّأم والملل، فذلك من أضرّ الأمور وأفسدها لحاله.
واعلم أنّ للملك على رعيّته حقوقا، وأنّ لهم عليه حقوقا، فأمّا الحقوق التي تجب للملك على رعيّته، فمنها الطاعة: وهي الأصل الّذي ينتظم به صلاح أمور الجمهور، ويتمكن به الملك من الإنصاف للضعيف من القويّ، والقسمة بالحقّ، وممّا جاء في التنزيل من الحثّ على ذلك- وهي الآية المشهورة في هذا المعنى- قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ 4: 59 [1] .
ومن أمثالهم: «لا إمرة لمن لا يطاع» [2] . ولم ينقل في تاريخ ولا تضمّنت سيرة من السير، أنّ دولة من الدول رزقت من طاعة جندها ورعاياها، ما رزقته هذه الدولة القاهرة المغوليّة [3] ، فإنّ طاعة جندها ورعاياها لها، طاعة لم ترزقها دولة من الدّول.
فأما الدّولة الكسرويّة [4] : فإنّها على عظمها وفخامتها، لم تبلغ ذلك، وقد