على المملكة واستضعفوا الخلفاء، فكان الخليفة في يدهم كالأسير، إن شاءوا أبقوه وإن شاءوا خلعوه، وإن شاءوا قتلوه.
لمّا جلس المعتزّ على سرير الخلافة، قعد خواصّه وأحضروا المنجّمين، وقالوا لهم انظروا كم يعيش؟ وكم يبقى في الخلافة؟ وكان بالمجلس بعض الظّرفاء فقال: أنا أعرف من هؤلاء بمقدار عمره وخلافته، فقالوا له: فكم تقول إنّه يعيش وكم يملك؟ قال: مهما أراد الأتراك، فلم يبق في المجلس إلّا من ضحك.
وفي أيّام المعتزّ ظهر يعقوب بن الليث الصفّار [1] ، واستولى على فارس، وجمع جموعا كثيرة، ولم يقدر المعتزّ على مقاومته، ثمّ إن الأتراك ثاروا بالمعتزّ وطلبوا منه مالا فاعتذر إليهم، وقال: ليس في الخزائن شيء، فاتّفقوا على خلعه وقتله، فحضروا إلى بابه وأرسلوا إليه وقالوا له: اخرج إلينا، فاعتذر بأنه شرب دواء، فهجموا عليه وضربوه بالدّبابيس، وخرقوا قميصه وأقاموه في الشّمس، فكان يرفع رجلا ويضع أخرى لشدّة الحرّ، وكان بعضهم يلطمه وهو يتقّي بيده، ثمّ جعلوه في بيت، وسدّوا بابه حتّى مات بعد أن أشهدوا عليه أنه خلع نفسه، وذاك في سنة خمس وخمسين ومائتين.
أوّل وزرائه أبو الفضل جعفر بن محمود الإسكافي.
لم يكن له علم ولا أدب، لكنّه كان يستميل القلوب بالمواهب والعطايا، وكان المعتزّ يكرهه، وكانوا ينسبونه إلى التشيّع، ومال إليه بعض الأتراك وكرهه البعض الآخر وثارت بسببه فتنة، فعزله المعتزّ.