قيام حزماء الملوك وفضلائهم، وفي آخرها خرج إلى الثّغر بطرسوس [1] فمات به وذلك في سنة ثماني عشرة ومائتين، وفيه يقول بعض الشّعراء:
ما رأينا النّجوم أغنت عن المأمون ... في ظلّ ملكه المحروس
غادروه بعرصتي طرسوس ... مثلما غادروا أباه بطوس
(خفيف)
أوّل وزرائه بنو سهل، وكانت دولتهم في جبهة الدّهر غرّة، وفي مفرق العصر درّة، وكانت مختصرة الدولة البرمكيّة، وهم صنائع البرامكة [2] ، فالوزير الأوّل للمأمون منهم الفضل بن سهل.
سمّي ذا الرّئاستين لجمعه بين السّيف والقلم، قالوا: كان الفضل بن سهل من أولاد ملوك الفرس المجوس، وكان قهرمانا ليحيى بن خالد، وكان أبوه سهل مجوسيّا فأسلم في أيّام الرّشيد، قالوا: لمّا رأى الفضل بن سهل نجابة المأمون في صباه ونظر في طالعة وكان خبيرا بعلم النّجوم فدلّته النجوم على أنه يصير خليفة لزم ناحيته وخدمه ودبّر أموره، حتّى أفضت الخلافة إليه فاستوزره.
كان الفضل سخيّا كريما، يجاري البرامكة في جوده، شديد العقوبة سهل الانعطاف، حليما بليغا عالما بآداب الملوك، بصيرا بالحيل جيّد الحدس محصّلا للأموال وكان يقال له الوزير الأمير.
كان مسلم بن الوليد [3] الشاعر نديما للفضل بن سهل قبل وزارته، وكان قد