. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمؤمنين دعاؤهم له أي طلبهم له ذلك من الله أي طلب زيادته لوجود أصله بنص القرآن وعلى هذا يحمل قول ابن عباس معنى صلاة الملائكة الدعاء بالبركة أي الزيادة وهذا معنى صلاتنا أيضًا كما تقرر ورجح بأن فيه استعمال لفظ الصلاة في حقه تعالى وحق الملائكة والمؤمنين بمعنى واحد وبه يتضح قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] فصلاته تعالى رحمنه وصلاتهم سؤالهم إياها لعباده وقيل الصلاة منه تعالى مغفرة ومن الملائكة استغفار ويمكن رجوعه لما قبله بجعل المغفرة نوعًا من أنواع ذلك التعظيم والاستغفار نوعًا من أنواع ذلك الدعاء واقتصر عليهما للاهتمام بهما وقيل الصلاة منه تعالى الرحمة ومن الملائكة رقة تبعث على استدعاء طلب الرحمة والثاني يرجع لما مر أنها منهم الدعاء، والأول إن أريد بالرحمة فيه المقرونة بالتعظيم لما مر أيضًا أنها من الله ثناؤه عليه وإن أريد مطلق الرحمة توجه الاعتراض عليه بأن الله تعالى غاير بينهما في قوله: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}، والملائكة فهموا المغايرة بسؤالهم عن معنى الصلاة في الآية مع أنهم علموا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فلو اتحدتا لما سألوا عن الصلاة ولقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علمتم الصلاة بعلمكم الدعاء بالرحمة وأيضًا فقد أجمعوا على جواز الترحم على غير الأنبياء فهذا صريح في مغايرتهما وسيأتي في أول كتاب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا المقام مزيد تحقيق والله ولي التوفيق.
نعم قد تأتي الصلاة بمعنى الرحمة كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] وحينئذٍ فالصلاة على الأنبياء تختص بالرحمة المقرونة بالتعظيم وعلى غيرهم لا تختص بذلك بل قد يكون فيها ما هو مقرون بنوع تعظيم وقد لا يحسب مراتب المؤمنين ومما يؤيد ذلك أن من المعلوم أن القدر الذي يليق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من الرحمة أرفع مما يليق بغيره وقد أجمع المسلمون على ذلك في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] إلخ، من تعظيم شأنه والتنويه بشرفه ما ليس في غيرها، وشرح الحلبي أنواعًا من ذلك التعظيم فقال معنى قولنا اللهم صل على محمد عظم محمدًا في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وإبداء فضيته بالمقام المحمود وكونها لنحو هذا التعظيم في حقه - صلى الله عليه وسلم - لا يستلزم كونها كذلك بالنسبة إلى نحو آله وأصحابه المذكورين معه لما مر أنها على كل إنسان بحسب ما يليق به من الرحمة العامة أو المقرونة بنوع تعظيم