. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اهـ. ففيه استعارة تبعية شبه تنزهه تعالى عن الظلم باحتراز المكلف عما نهى الله عنه واستعار له لفظ التحريم ثم اشتق منه الفعل ولا حاجة إليه لأن الأصل الحقيقة وقد أمكنت فلا حاجة للعدول عنها والظلم لغة وضع الشيء في غير محله وعرفاً التصرف في حق الغير بغير حق أو مجاوزة الحد وهو بالمعنيين محال في حقه تعالى إذ لا حق لأحد معه سبحانه بل هو الذي خلق المالكين وأملاكهم وتفضل عليهم بها وحد لهم الحدود وحرم وأحل فلا حاكم يتعقبه ولا حق يترتب عليه تعالى عن ذلك علواً كبيراً وما ذكر من استحالة الظلم عليه تعالى هو قول الجمهور وهو الأصح وقيل إنه متصور منه لكنه لا يفعله عدلاً منه وتنزهاً عنه، قيل إن أراد هذا القائل جواز الظلم بالمعنيين المذكورين فهو هذيان ودعوى تصوره في غاية السقوط وأما قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} المنفي فيه المبالغة فيوهم ثبوت أصل الظلم فأجيب عنه بأن صفاته تعالى بلغت غاية الكمال فلو اتصف بالظلم لكان عظيماً فنفاه على حد عظمته لو كان ثابتاً أو أراد نفي الظلم لكن القليل منه بالنسبة إلى رحمته الذاتية كثير فلذا عبر بلفظ المبالغة، أو أن المراد به النسبة أي ليس منسوباً إلى الظلم بوجه
لاستحالته في حقه كما يقال تمار وحناط نسبة للتمر والحنطة واستدلال بعضهم لتصوره في حقه تعالى بأن الحكيم إنما يمنع نفسه مما قدر على فعله ألا ترى أن آدمياً لو قال منعت نفسي صعود السماء استهزيء به أجيب عنه بأنه خارج على قضية الخطاب العادي المقصود به زجر العباد عنه وإعلامهم بامتناعه عليهم بالأولى فهو على حد {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} هذا فن بليغ من أساليب البلاغة لا ينكره إلا جامد الطبع فامتنع قياسه على قول الآدمي منعت نفسي صعود السماء بل شتان ما بينهما فإن هذه المقالة محض سفساف ولغو بخلاف قوله تعالى: "إني حرمت الظلم على نفسي الذي وطأ به لقوله: وجعلته بينكم محرماً ووطأ بهما لقوله: فلا تظالموا" فاتضح أن هذا السياق في غاية البلاغة وأنه لا ينافي استحالة الظلم عليه وأن من فهم بينهما تنافياً وفسر الظلم بغير معناه المتعارف السابق فلكلامه نوع احتمال كما يأتي وإلا فهو نوع من الهذيان كما سبق، وإن أراد ما هو ظلم عند العقل لو خلى ونفسه من حيث عدم مطابقته لقضيته فيكون