"لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتى يُحِبَّ لأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِه"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليه متناً وتخريجاً في كتاب حفظ اللسان. قوله: (لا يؤمن أحدكم الخ) أي لا يؤمن الإيمان الكامل (حتى يحب لأخيه) المسلم من الخير كما جاء التقييد بذلك في رواية أحمد والنسائي وبه يندفع ما قيل هذا عام مخصوص إذ الإنسان يحب لنفسه وطء حليلته ولا يجوز أن يحبه لأخيه حال كونها في عصمته لحرمة ذلك عليه وليس له أن يحب لأخيه فعل محرم اهـ. وما قيل لا بد أن يكون المعنى فيما يباح وإلا فقد يكون غيره ممنوعاً منه وهو مباح له اهـ. وكلاهما غفلة عن رواية النسائي والظاهر كما قيل: إن التعبير بالأخ المراد به المسلم جرى على الغالب إذ ينبغي لكل مسلم أن يحب (للكفار) الإسلام وما يتفرع عليه من الكمال. وقوله: (ما يحب لنفسه) أي مثله؛ المراد بالمثلية هنا مطلق المشاركة المستلزمة لكف الأذى والمكروه عن النّاس وكما أنه يحب أن ينتصف من حقه ومظلمته فينبغي له إذا كان لأخيه عنده حق أو مظلمة أن يبادر إلى إنصافه من نفسه وإيثار الحق وإن شق عليه ذلك. وفي الحديث انظر إلى ما تحب أن يؤاتيه النّاس إليك فآتيه إليهم وإذا حصل ذلك كان مع أخيه كالنفس الواحدة وقد حث -صلى الله عليه وسلم- على ذلك بقوله في الحديث الصحيح أيضاً: "المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" قال ابن الصلاح وهذا قد يعد من الصعب الممتنع وليس كذلك إذ القيام به يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئاً من النعمة عليه وذلك سهل على القلب السليم إنما يعسر على القلب الدغل اهـ، وبه يندفع قول غيره (يشبه أن هذه المحبة إنما هي من جهة العقل أي يحب له ذلك ويؤثره) من هذه الجهة أما التكليف بذلك من جهة الطبع فصعب إذ الإنسان مطبوع على حب الاستئثار على غيره بالمصالح بل على الغبطة والحسد لإخوانه فلو كلف أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه بطبعه لأفضى إلى أن لا يكمل إيمان أحد إلا نادراً اهـ، ويؤيد ما قاله ابن الصلاح خبر الترمذي وابن ماجه أحب للناس ما تحب لنفسك