اعلم أن هذا الكتاب من أهمِّ الأبواب التي يعتنى بها ويحافظ على العمل به. وقصدت
بتأخيره التفاؤلَ بأن يختم الله الكريم لنا به، نسأله ذلك وسائر وجوه الخير لي ولأحبائي وسائر المسلمين آمين.
قال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فلا يرقى سالك من ذكر إلى ذكر آخر حتى تظهر عليه ثمرته المختصة به فإذا ظهرت عليه شواهد الخشوع ولاح على قلبه أثر الانكسار والخضوع فعند ذلك يؤمر بذكر مصقلة القلب وهي الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا إذا كان قد استعمل في المعاصي جوارحه أما إن كان قد شد على العفاف إزاره ولم تستهوه النفس الأمارة فأول ما يلقي إليه الصلاة على الرسول فبها يبلغ المأمول اهـ. قوله: (التي يعتني بها) أي تتوجه العناية إليها لعظيم وقعها. قوله: (ويحافظ على العمل به) معطوف على قوله من أهم الأبواب. قوله: (وقصدت
بتأخيره التفاؤل) بالهمز ويجوز أن يكون في تأخيره الإشارة إلى أن العبد وإن قام بسائر وظائف الأبرار وشعائر الأخيار ينبغي له الملازمة على الاستغفار ورؤيته نفسه بعين الاحتقار وعمله بنظر النقص والصغار ويعتمد على رحمة ربه الغفار. قوله: (أن يختم لنا به) أي بالغفران المسؤول بالاستغفار. قوله: (وسائر المسلمين) أي جميعهم فيكون من عطف العام على الخاص لقصد التعميم أو باقيهم بناء على مجيء سائر بمعنى باقي فيكون من عطف المغاير. قوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} هذا وما شابهه نحو {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} مما اختلف المفسرون في تأويله فقال ابن عباس: إنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب أي لو كان وقال غيره المراد ما كان من سهو أو غفلة أو ما تقدم لأبيك آدم مما يشبه الذنب وما تأخر من ذنوب أمتك أو ذنوب أمته فقط والمراد بالذنب ترك الأولى كما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين وترك الأولى ليس بذنب في الحقيقة لكنه مشابه له بالنسبة إلى مقام كل الأنبياء في ندرة وقوعه منهم ولقد حقق السبكي هذا المقام بما حاصلة أن الآية لا تحتمل إلا وجهاً واحداً وهو تشريفه من غير أن يكون ذنب وبين ذلك أحسن بيان وأبلغه ثم قال وكيف يتخيل وقوع ذنب منه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ