وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن جابر رضي الله عنه قال: ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم، فقلنا: لا نُكَنِّيك أبا القاسم ولا كَرَامَةَ، فأخبرَ النبي -صلى الله عليه وسلم-
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويحتمل قصره على هذين المذكورين والله أعلم ثم رأيت ابن القيم ذكر ما يقتضي الأخير قال في الهدى في تقرير التناسب بين الاسم والمسمى والارتباط بينهما فقال: لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبين مسمياتها ارتباط وتناسب وألا تكون معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له به فإن حكمة الحكيم تأتي ذلك والواقع يشهد بخلافه بل للأسماء تأثير في المسميات وللمسميات تأثر عن اسمائها في الحسن والقبح والخفة والثقالة واللطافة والكثافة كما قيل:
وقيل إذا بصرت عيناك ذا لقب ... إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
وذكر لذلك شواهد من الحديث والأثر إلى أن قال: ولما كان الاسم مقتضياً لمسماه ومؤثراً فيه كان أحب الأسماء إلى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه كعبد الله وعبد الرحمن وكانت إضافة العبودية إلى اسم الله واسم الرحمن أحب إليه من إضافتها إلى غيرهما كالقاهر والقادر فعبد الرحمن إليه من عبد القادر وعبد الله أحب إليه من عبد ربه وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هي العبودية المحضة والتعلق الذي بين الله وبين العبد الرحمة المحضة فبرحمته كان وجود الإنسان وكمال وجوده والغاية التي أوجده لأجلها أن يتألهه وحده محبة وخوف ورجاء وإجلالاً وتعظيماً فيكون عبدًا لله وفي عبده بما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل أن تكون لغيره ولما غلبت رحمته غضبه وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب كان عبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر اهـ.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ). قوله: (لا نكنيك أبا القاسم) سيأتي حكم التكنية بهذه الكنية في باب مستقل. قوله: (ولا كرامة) أي لا تصيب من كرامة تكنى بها بهذه الكنية إذ المعنى في تكنيته -صلى الله عليه وسلم- بها من أنه قاسم لمال الله سبحانه وتعالى بين المسلمين مفقود في غيره -صلى الله عليه وسلم- أو