فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلما رأى ما بهم من النَّصَب والجوع قال: "اللهُم إن العَيشَ عَيْشُ الآخِرَةِ، فاغْفِرْ للأنصارِ والمُهاجِرَةِ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الله على الكفار ريحًا وجنودا لم يرها المسلمون فهزمهم بها. قوله: (فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون) زاد في الرواية ولم يكن لهم عبيد يعلمون ذلك لهم. قوله: (النصب) بفتحتين التعب وقد نصب ينصب نصبًا كفرو يفرو فرحًا ونصبه غيره وأنصبه لغتان. قوله: (إن العيش) أي المعتد به لدوامه وهنائه عيش الآخرة. قوله: (فاغفر للأنصار) قال في السلاح وفي رواية للبخاري ومسلم فأكرم وفي إحدى روايات البخاري فارحم وفي بعضها فبارك وفي بعضها فانصر اهـ. وعلى رواية فأكرم وارحم وانصر النصف الثاني موزون ويجاب عن نطقه - صلى الله عليه وسلم - مع تحريم إنشاء الشعر وإنشاده عليه بأنه لم يقصد الوزن والمعتبر في الشعر القصد وعلى باقي الروايات فهو سجع وهو كما قال الأزهري الكلام المقفى من غير مراعاة وزن قال السيوطي مأخوذ من سجع الحمام وهو تواطؤ الفاصلتين في النثر على حرف واحد وهو معنى قولهم السجع في النثر كالقافية في الشعر ومن النّاس من قبحه لحديث أسجعًا كسجع الجاهلية ورد بأنه إنما أنكر سجع الجاهلية لا مطلق السجع قال ابن يعيش ويكفي في حسنه ورود القرآن به ولا يقدح في ذلك خلو بعض الآيات عنه لأن الحسن قد يقضي المقام إلى أحسن منه قال الخفاجي السجع محمود لا على الدوام ولذا لم يجيء فواصل القرآن كلها عليه واختلف هل يجوز أن يقال في فواصل القرآن أسجاع أم لا؟ الأدب المنع لقوله تعالى: ({كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} فسماه فواصل فليس لنا أن نتجاوزه ولأنه يشرف أن يشارك الكلام الحادث في اسم السجع ولأن السجع في الأصل هدير الحمامة ونحوها والقرآن يشرف عن أن يستعار له لفظ في أصل الوضع لطائر ورجح القاضي أبو بكر الباقلاني في الانتصار جواز تسمية الفواصل سجعًا قال العلقمي السجع أن يجمع أمرين كان مذموما التكلف وإبطال الحق وإن اقتصر على أحدهما كان أخف في الذم ويخرج من ذلك تقسيمه إلى أربعة أنواع والمحمود منه ما جاء عفوًا في حق ودونه ما جاء متكلفًا في حق