أتوه - وهم بضعة عشر - فكتبوا بذلك إلى عثمان وكتب عثمان إلى معاوية: إن أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفرا خلقوا للفتنة فرعهم وقم عليهم فإن آنست منهم رشدا فأقبل منهم وإن أعيوك فارددهم عليهم فلما قدموا على معاوية رحب بهم وأنزلهم كنيسة تسمى مريم وأجرى عليهم بأمر عثمان ما كان يجري عليهم بالعراق وجعل لا يزال يتغدى ويتعشى معهم فقال لهم يوما: إنكم قوم من العرب لكم أسنان وألسنة وقد أدركتم بالإسلام شرفا وغلبتم الأمم وحويتم مراتبهم ومواريثهم وقد بلغني أنكم نقمتم قريشا وإن قريشا لو لم تكن عدتم أذلة كما كنتم إن أئمتكم لكم إلى اليوم جنة1 فلا تشذوا عن جنتكم وإن أئمتكم اليوم يصبرون لكم على الجور ويحتملون منكم المؤونة والله لتنتهن أو ليبتليكم الله بمن يسومكم ثم لا يحمدكم على الصبر ثم تكونون شركاء لهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد موتكم.
فقال رجل من القوم: أما ما ذكرت من قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية فتخوفنا وأما ما ذكرت من الجنة فإن الجنة إذا اخترقت خلص إلينا.
فقال معاوية: عرفتكم الآن علمت أن الذي أغراكم على هذا قلة العقول وأنت خطيب القوم ولا أرى لك عقلا أعظم عليك امر الإسلام وأذكرك به وتذكرني الجاهلية وقد وعظتك وتزعم لما يجنك أنه يخترق ولا ينسب ما يخترق إلى الجنة أخزى الله أقواما أعظموا أمركم ورفعوا إلى خليفتكم إفقهوا - ولا أظنكم تفقهون - أن قريشا لم تعز في جاهلية ولا إسلام إلا بالله عز وجل لم تكن بأكثر العرب ولا أشدهم ولكنهم كانوا أكرمهم أحسابا وأمحضهم أنسابا وأعظمهم أخطارا وأكملهم مروءة ولم