فيقول: إن وصاله أيضاً كان خيالا تراءى في منام تقليلا له وتقصيراً لزمانه فلما زار الخيال كان خيال خيال. ويحتمل أيضا معنى آخر أدق من هذا: وهو أن لا تكون إعادته مصدراً بمعنى المفعول بل يريد أن الإعادة نفسها كانت خيالا لخياله، إذ كان أيضاً معاداً. يريد بذلك كثرة رؤيته إياه في منامه، فكل رؤيا يراها إعادة لخيال رآه معاداً من قبل. فافهمه فهو حسن.
وقوله:
إن الرياحَ إذا عمدن لناظرٍ ... أغناهُ مقيِلُها على استعجاله
هذا تأكيد قوله قبله:
ويميت قبل قتاله ويبش قبل ... نواله وينيل قبل سؤاله
أي إن القليل منه كثير فلا يحتاج إلى استعمال غاية كيده إذا، وجوده في النهاية فلا يحوج إلى السؤال فكل أفعال الكرم والمجد منه سابق لوقته الذي ينتظر فيه. كما أن الريح إذا أقبلت إلى عين عجرت العين عن مقاومة قليلها فعجلت بالإطراق والغض قبل استعجال الرياح إياها وهبوبها بقوتها الشديدة عليها. فقوله: استعجاله مصدر أضيف إلى ضمير المفعول به. ولا إلى ضمير الفاعل، كما تقول: الثوب أعجبني دقه، والماء أرواني شربه. يريد الثوب أعجبني دق القصار إياه، والماء أرواني شربي إياه. والهاء في أغناه أيضاً للناظر. كأنه يقول: أغنى الناظر مقبل الريح عن استعجالها إياه فغضت وأعضتْ.
والذي أتى به الشيخ أبو الفتح اضطرب قال: أي هو غير محتاج إلى محرك له في الكرم، والسؤدد والفضل. كما ان الريح إذا رأيتها مقبلة إليك لم تحتج إلى استعجالها. والناظر لا يستعجب الريح، ولا