استحقَّ الفاسق الشكر بإنعامه، والذم بمعصيته) (?).
واختلفوا: هل للَّه سبحانه وتعالى نعمةٌ على كافرٍ في الدنيا؟ فقيل: نعم، وعليه الباقلاني، وقال الفخر الرازي: إنه الأصوب؛ لقوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} وذكر آياتٍ كثيرةً فيها دلالة لذلك (?)، وقيل: لا (?)؛ لأنه وإن وصلت إليه نِعَمٌ لكنها قليلةٌ حقيرةٌ لا اعتداد بها؛ لأدائها إلى الضرر الدائم في الآخرة، فهي كحلوٍ فيه سمٌّ، ومن ثَمَّ قال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ} الآيةَ، والخلاف لفظي؛ إذ لا نزاع في وصول نِعَمٍ إليه، وإنما النزاع في أنها إذا حصل عقبها ذلك الضرر الأبدي. . هل تسمى حينئذٍ في العرف نِعمًا أو لا؟ فهو نزاعٌ في مجرد التسمية (?).
وأوَّلَ بعضُ المحققين النعمةَ في نحو كلام المصنف هنا بالإنعام؛ نظرًا إلى أن الحمد على الوصفِ القائمِ بذاته تعالى الدائمِ المستمرِّ أَبلغُ منه على أثره الواصل إلينا.
واعلم: أن كل ما يصل إلى الخلق من النفع ودفع الضرر منه تعالى؛ كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} أي: إما ظاهرًا كالخلق، وإما باطنًا كالواصلة من غيره ظاهرًا؛ فإنه الخالق لهما ولداعية الإنعام في قلبه بها، لكن لمَّا أُجريت على يديه. . استحق نوعَ شكرٍ بها، وأما حقيقة الشكر. . فهي تعالى فقط؛ لأنه المنعم بالحقيقة، ونعمه تعالى غير متناهية: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}.
والأمرُ بتذكرها في قوله تعالى: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ} لأنها وإن لم تتناهَ باعتبار الأشخاص والأنواع إلا أنها متناهيةٌ بحسب الأجناس، وذلك كافٍ في التذكر المفيد للعلم بوجود الصانع الحكيم.