يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي" (?) أي: أنا الذي أقدرته على هذه الأفعال وخلقتها فيه، فأنا الفاعل لذلك، لا أنه يخلق أفعال نفسه؛ أي: سواء الجزئيات والكليات، خلافًا لما زعمته المعتزلة من خلقه للجزئيات، وهذا الحديث يرد عليهم.

وزَعْمُ الاتحاديةِ والحلولية بقاء هذا الكلام على حقيقته، وأنه تعالى عَيْنُ عبده أو حالٌّ فيه. . ضلالٌ وكفرٌ إجماعًا، فاحذرهم؛ فإنهم ربما لبَّسوا على ضعفاء العقول فاستهووهم وأضلوهم؛ لتَزَيِّيهم بزي الصوفية، والصوفية بريئون منهم، فقاتلهم اللَّه أنى يؤفكون.

نعم؛ ربما ظن مَنْ لا معرفة له باصطلاحهم من بعض عباراتهم ذلك، وهو فهمٌ باطلٌ عليهم، حاشاهم اللَّه تعالى من ذلك، وطهر أسرارهم من أن تزل بها قدم المحبة في سائر المسالك (?).

وحاصل ما تقرر: أن من اجتهد بالتقرب إلى اللَّه تعالى بالفرائض ثم بالنوافل. . قرَّبه اللَّه تعالى إليه ورقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد اللَّه تعالى على الحضور والشوق إليه حتى يصير ما في قلبه من المعرفة مشاهدًا له بعين البصيرة فكأنه يراه، فحينئذٍ يمتلئ قلبه بمعرفته، ومحبته، وعظمته، ومهابته، وإجلاله، والأنس به، ثم لا تزال محبته تتزايد حتى لا يبقى في قلبه غيرها، فلا تستطيع جوارحه أن تعبث إلا بموافقة ما في قلبه (?)، وهذا هو الذي يقال فيه: لا يبقى في قلبه إلا اللَّه تعالى؛ أي: معرفته ومحبته وذكره.

وفي الخبر الإسرائيلي المشهور: "ما وسعني سمائي ولا أرضي، ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن" (?)، وإلى هذا أشار صلى اللَّه عليه وسلم لمَّا قدم المدينة فقال: "أحبوا اللَّه من كل قلوبكم" رواه ابن إسحاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015