من عزم عليها ففعلها ولم يتب منها. . أُوخذ بعزمه؛ لأنه إصرارٌ، وتناقض فيه كلام السبكي، ورجَّح ولده ما يوافق كلام ابن رزين.
وبيان ذلك: أن السبكي قال في "حلبياته" ما حاصله: (ما يقع في النفس من قصد المعصية على خمس مراتب: الأولى: الهاجس؛ وهو ما يلقى فيها، ثم جريانه فيها، وهو الخاطر، ثم حديث النفس؛ وهو ما يقع فيها من التردد: هل يفعل أو لا؟ ثم الهم؛ وهو ترجيح قصد الفعل، ثم العزم، وهو قوة ذلك القصد والجزم به (?).
فالهاجس لا يؤاخذ به إجماعًا؛ لأنه ليس من فعله، وإنما هو شيءٌ طرقه قهرًا عليه، وما بعده من الخاطر وحديث النفس وإن قدر على دفعهما لكنهما مرفوعان بالحديث الصحيح، أي: وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "إن اللَّه تجاوز لأمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تتكلم به -أي: في المعاصي القولية- أو تعمل" (?) أي: في المعاصي الفعلية؛ لأن حديثها إذا ارتفع. . فما قبله أَولى، وهذه المراتب الثلاث لا أجر فيها في الحسنات أيضًا؛ لعدم القصد.
وأما الهم. . فقد بيَّن الحديث الصحيح أنه بالحسنة يكتب حسنة، وبالسيئة لا يكتب سيئة، ثم ينظر؛ فإن تركها للَّه تعالى. . كتبت حسنة، وإن فعلها. . كتبت سيئة واحدة.
والأصح في معناه: أنه يكتب عليه الفعل وحده، وهو معنى قوله: "واحدة" وأن الهم مرفوعٌ، ومن هذا يُعلم أن قوله في حديث النفس: "ما لم تتكلم أو تعمل به" ليس له مفهوم حتى يقال: إنها إذا تكلمت أو عملت. . يكتب عليها حديث النفس؛ لأنه إذا كان الهم لا يكتب؛ أي: كما استفيد من قوله: "واحدة" فحديث النفس أولى) اهـ