فليحذر كل عاقلٍ غاية الحذر من أن يتَّكِل على شرف نسبه وفضيلة آبائه ويقصِّر في العمل؛ فإن ذلك يورثه غاية النقص والانحطاط عن معاليهم، ونهاية الحسرة والندامة على التخلف عن كمالهم، ومن ثم كان التفاخر بالآباء من أخلاق الجاهلية؛ قال تعالى: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: "إن اللَّه قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس رجلان: برٌّ تقيٌّ كريمٌ على اللَّه عز وجل، وفاجرٌ شقيٌّ هيِّنٌ على اللَّه عز وجل، كلهم بنو آدم وخلق اللَّه آدم من تراب" (?)، وقال: "ائتوني بأعمالكم لا تأتوني بأنسابكم".
وقال لمن تعلَّم الأنساب: "علمٌ لا ينفع، وجهالةٌ لا تضر" (?)، وقال عمر رضي اللَّه تعالى عنه: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم) (?).
على أن في التفاخر بالآباء غاية العداوة؛ إذ كلٌّ يظهر مثالب الآخر فيؤدي إلى الهرج والفساد.
(رواه مسلم بهذا اللفظ) واعتُرض عليه في سنده بما هو مردودٌ غير مقبول.
وهو حديثٌ عظيمٌ جليلٌ جامعٌ لأنواع من العلوم والقواعد، والآداب والفضائل، والأحكام والفوائد، وفيه إشارات إلى أن الجزاء من جنس العمل، والنصوص في ذلك كثيرة؛ نحو: "إنما يرحم اللَّه من عباده الرحماء" (?).
وأخرج الترمذي: "أيما مؤمن أطعم مؤمنًا على جوع. . أطعمه اللَّه يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مؤمن سقى مؤمنًا على ظمأ. . سقاه اللَّه يوم القيامة من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن كسا مؤمنًا على عري. . كساه اللَّه من خضْر الجنة" (?).
* * *