وإن شفع. . ألَّا يشفَّع، وإن قال. . ألَّا يسمع لقوله، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: "هذا خيرٌ من ملء الأرض من مثل هذاك" (?).
(بحَسْب) بإسكان السين (امرئٍ من الشر) أي: يكفيه منه في أخلاقه ومعاشه ومعاده (أن يحقر أخاه المسلمَ) (?) كرره لتأكيد حرمة المسلم، ففيه تحذيرٌ أيُّ تحذيرٍ من احتقاره؛ لما مر أن اللَّه تعالى لم يحتقره؛ إذ أحسن تقويم خلقه، وسخَّر ما في السماوات والأرض كلَّه لأجله.
ومشاركة غيره له فيه إنما هي بطريق التبع، وسماه مسلمًا ومؤمنًا وعبدًا، وجعل الأنبياء الذين هم أفضل المخلوقات من جنسه، فكان احتقاره احتقارًا لما عظَّمه اللَّه تعالى وشرَّفه، وهو من أعظم الذنوب والجرائم، ومن ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: "لا يدخل الجنة مَنْ في قلبه مثقال ذرةٍ من كِبْرٍ" رواه مسلم (?).
ومنه ألَّا يبدأه بالسلام احتقارًا له، أو لا يرده عليه، وليس من ذلك تقديم العالم على الجاهل، والعدل على الفاسق؛ لأنه ليس لذات المسلم، بل لوصفه المذموم، حتى لو زال عنه. . عاد إليه التعظيم والإجلال والاعتناء به والاحتفال.
(كل) مبتدأ (المسلم) فيه ردٌّ على من زعم أن (كلًّا) لا تضاف إلا إلى نكرة (على المسلم حرامٌ) خبره، ويبدل منه (دمه وماله وعرضه) أي: حسبه، وهو مفاخره ومفاخر آبائه, وقد يراد به النفس؛ كأكرمت عنه عرضي؛ أي: صُنتُ عنه نفسي، وفلانٌ نقي العرض؛ أي: بريءٌ من أن يُشتَم أو يُعاب، وحمله هنا على المعنى الثاني يلزمه تكرار؛ إذ هو حينئذٍ مرادفٌ للدم الذي هو عبارة عن النفس.
وأدلة تحريم هذه الثلاثة مشهورةٌ في الكتاب والسنة وإجماع الأمة فلا نطيل بها، وجعلُها كلَّ المسلم وحقيقتَه؛ لشدة اضطراره إليها، أما الدم. . فلأن به حياته ومادته، والمال. . فهو مادة الحياة، والعرض به قيام صورته المعنوية.