عليه وسلم، كما مر في شرح (التاسع) مبسوطًا (?)، فاختص النهي ببحثٍ يؤدي إلى محظور، وأما القياس. . فلا محظور فيه بوجهٍ، فكيف يُنهى عنه؟! على أن أدلة جوازه، بل وجوبه قطعيةٌ، فلا تعارض بمثل هذا الظن المحتمل.
وهذا الحديث من جوامع كلمه صلى اللَّه عليه وسلم الموجزة البليغة، بل قال بعضهم: ليس في الأحاديث حديثٌ واحدٌ أجمع بانفراده لأصول الدين وفروعه منه؛ أي: لأنه قسَّم فيه أحكام اللَّه إلى أربعة أقسام: فرائض، ومحارم، وحدود، ومسكوت عنه، وذلك يجمع أحكام الدين كلها.
ومن ثم قال ابن السمعاني: (من عمل به. . فقد حاز الثواب، وأمن العقاب؛ لأن من أدَّى الفرائض، واجتنب المحارم، ووقف عند الحدود، وترك البحث عما غاب عنه. . فقد استوفى أقسام الفضل، وأوفى حقوق الدين؛ لأن الشرائع لا تخرج عن الأنواع المذكورة فيه) (?).
أي: لتضمنه جميع قواعد الشرع وأحكامه وآدابه؛ إذ الحكم الشرعي إما مسكوتٌ عنه، أو مُتكلَّمٌ به؛ وهو إما مأمورٌ به وجوبًا أو ندبًا، أو منهيٌّ عنه تحريمًا أو كراهةً، أو مباحٌ، فالواجب حقه ألَّا يضيع، والحرام حقه ألَّا يقارب، والحدود -وهي الزواجر الشرعية كحد الردة والزنا والسرقة والشرب- حقُّها أن تقام على أهلها من غير محاباةٍ ولا عدوان، وورد: "حدٌّ يقام في الأرض خيرٌ من مطر أربعين صباحًا" (?).
وقد تطلق الحدود على المحارم فقط، ومنه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}، وخبر الطبراني والبزار: "إني آخذٌ بحجزكم، اتقوا النار، اتقوا الحدود" (?).
* * *