ويفهم من سكوته عنها رحمةً لنا مع النهي عن البحث عنها أنه لا حكم قبل ورود الشرع، وهو الأصح، وقيل: الأصل: الحظر، ونسب للشافعي وأكثر المتكلمين، ولعل ذلك قولٌ مرجوحٌ للشافعي، وإلَّا. . فالأصح عند أئمتنا ما مر، وقيل: الإباحة. ومحل الاستدلال على ذلك كتب الأصول والفقه.
وعلي أن الأصل في الأشياء بعد ورود الشرع الإباحة (?)، وقد حكى بعضهم الإجماع على ذلك، وغلَّطوا من سوَّى بين المسألتين وجعل حكمهما واحدًا (?).
ومعنى كون السكوت رحمة لنا: أنها لم تُحرَّم فيعاقب على فعلها، ولم تجب فيعاقب على تركها، بل هي عفوٌ لا حرج في فعلها ولا في تركها.
(حديث حسن) بل صحَّحه ابن الصلاح، وممَّن حسَّنه أيضًا الحافظ أبو بكر بن السمعاني في "أماليه"، وقول الذهبي: إن راويه مكحولًا لم يدرك أبا ثعلبة تبع فيه إنكار أبي مُسْهِر لسماعه منه، ووافقه أبو زرعة وأبو حاتم فقال: دخل عليه ولم يسمع منه، لكن خالفهم ابن معين فقال: إنه سمع منه، والقاعدة الأصولية: أن الإثبات مقدَّمٌ على النفي تُرجِّح ما قاله ابن معين؛ فلذا اعتمده المصنف وغيره.
ويؤيده: أنه معاصرٌ له بالسِّنِّ والبلد، فاحتمال سماعه منه أقرب من عدمه، وكونه مدلِّسًا لا ينافي حسن حديثه ولا صحته؛ كما هو مقررٌ في محله.
ويحتمل أن تحسين المصنف له؛ لكونه رُوي من طرقٍ بعضها ضعيفٌ وبعضها منقطعٌ، فإذا انضم بعضها إلى بعضٍ. . قَوِيت فيكون حسنًا لغيره لا لذاته، وأن تصحيح ابن الصلاح أخذه من قول البزارِ في روايته: إسنادها صالح، والحاكمِ فيها: إنها صحيحة الإسناد؛ ولفظها: عن أبي الدرداء رضي اللَّه تعالى عنه: "ما أحلَّ اللَّه في كتابه. . فهو حلالٌ، وما حرَّم. . فهو حرامٌ، وما سكت عنه. . فهو عفوٌ، فاقبلوا من اللَّه عافيته؛ فإن اللَّه لم يكن ينسى شيئًا، ثم تلا هذه الآيةَ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ