(ثم تلا) صلى اللَّه عليه وسلم احتجاجًا على فضل صلاة الليل قوله تعالى: ({تَتَجَافَى}) أي: تتنحَّى وترتفع ({جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}) أي: مواضع الاضطجاع للنوم (حتى بلغ: {يَعْمَلُونَ}) قيل: وهذا كنايةٌ عن الصلاة بين المغرب والعشاء، وقيل: عن انتظار العشاء؛ لأنها كانت تؤخَّر إلى نحو ثلث الليل، وقيل: عن صلاة العشاء والصبح في جماعة.
والجمهور: على أنه كنايةٌ عن صلاة النوافل من الليل، وهو الذي دلَّ عليه سياق هذا الحديث، بل والآية؛ حيث قال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} الآيةَ؛ فإنه دالٌّ على أنهم أخفوا عملهم فجُوزُوا بما أُخفي لهم من قرة الأعين، وإنما يتم إخفاؤه بالصلاة في جوف الليل المصرَّح به في هذا الحديث؛ لأن المصلي حينئذٍ ترك نومه ولذته وآثر ما يرجوه من ربه عليهما، فحُقَّ له أن يُجازى بذلك الجزاء العظيم.
وفي خبر "الصحيحين": "يقول اللَّه تبارك وتعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} " (?).
وقد جاء: أن اللَّه تعالى يباهي بقُوَّام الليل في الظلام الملائكةَ يقول: "انظروا إلى عبادي؛ قد قاموا في ظلم الليل حيث لا يراهم أحدٌ غيري، أُشهدكم أَني قد أبحتهم دار كرامتي" (?).
(ثم قال) صلى اللَّه عليه وسلم: (ألا أخبرك برأس الأمر) أي: العبادة، أو الأمر الذي سألت عنه (وعموده وذروة) بضم أوله وكسره، قيل: والقياس جواز فتحه أيضًا (سَنامه) فيه من التشويق المرة بعد المرة (?) نظيرَ ما مر آنفًا (?) (الجهاد)