فعثمان، فعلي، فالحسن رضي اللَّه تعالى عنهم وعن بقية الصحابة؛ فإن ما عرف عن هؤلاء أو عن بعضهم أَولى بالاتباع من بقية الصحابة إذا وقع بينهم الخلاف فيه.
ومن ثم قال بعض العلماء: يقدم ما أجمع عليه الأربعة، ثم ما أجمع عليه أبو بكر وعمر؛ للخبر الصحيح: "اقتدوا باللَّذَينِ من بعدي: أبي بكر، وعمر" (?) وهذا في حق المقلِّد الصِّرف في تلك الأزمنة القريبة من زمن الصحابة.
أما في زمننا. . فقال بعض أئمتنا: لا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة (?): الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد ابن حنبل رضوان اللَّه تعالى عليهم؛ لأن هؤلاء قد عُرفتْ قواعد مذاهبهم، واستقرت أحكامها، وخدمها تابعوهم وحرروها فرعًا فرعًا، وحكمًا حكمًا، فعزَّ أن يوجد حكمٌ إلا وهو منصوصٌ لهم إجمالًا أو تفصيلًا، بخلاف غيرهم؛ فإن مذاهبهم لم تحرر وتدوَّن كذلك، فلا تعرف لها قواعد تتخرج عليها أحكامها، فلم يجز تقليدهم فيما حفظ عنهم منها؛ لأنه قد يكون مشترطًا بشروطٍ أخرى وكلوها إلى فهمها من قواعدهم، فَقَلَّتِ الثقةُ بخلو ما حفظ عنهم من قيدٍ أو شرطٍ، فلم يجز التقليد حينئذ.
والدلائل على اتصاف أولئك الخلفاء بالرشاد -وهو ضدُّ الضلالِ- والهدايةِ لأقوم طريقٍ وأصوبه. . كثيرةٌ مشهورة؛ منها: قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} الآيةَ، ثم خص صلى اللَّه عليه وسلم منهم اثنين بقوله: "اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر" ثم خصَّ منهما أجلهم وأكملهم، بل أجل واكمل مَنْ عدا الأنبياء من سائر الأمم بقوله لمن سألَتْه وأمرها أن ترجع إليه فقالت له: إن لم أجدك؟ تريد الموت، فقال: "ائتي أبا بكر" (?) فهذا خصوصُ خصوصِ الخصوص.