وخشوعها، وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يُؤْتِ كبيرةً، وذلك الدهر كله" (?) والأحاديث بمعنى ذلك كثيرة.
وقيل: إن الأعمال الصالحة تكفر الكبائر، وممن قال به ابنُ حزم، لكن أطال ابن عبد البر في الرد عليه (?)، ورده بعضهم بأنه إن أُريد أن مَنْ أتى بالأعمال وهو مُصِرٌّ على الكبائر تغفر له الكبائر قطعًا. . فهو باطلٌ قطعًا معلومٌ بطلانه من الدين بالضرورة، وإن أريد أن مَنْ لم يُصِرَّ عليها وحافظ على الفرائض من غير توبةٍ ولا ندمٍ كفَّرت بذلك. . فهو محتملٌ لظاهر آية: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} أي: ما سلف منكم صغيرًا كان أو كبيرًا، ومع ذلك: الصحيح قول الجمهور: إن الكبائر لا تكفر بدون التوبة.
نعم؛ إقامة الحد بمجرده كفارةٌ كما صرح به حديث مسلم (?)؛ أي: بالنسبة لذات الذنب، أما بالنسبة لترك التوبة منه. . فلا يكفرها الحد؛ لأنها معصية أخرى (?)، وعليه يحمل قول جمع: إن إقامته ليست كفارة، بل لا بد معها من التوبة، وقوله تعالى في المحاربين: {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. . لا ينافي ذلك؛ لأنه ذكر عقوبتهم في الدارين، ولا يلزم اجتماعهما.
ويؤيد ما تقرر: قول بعض المتأخرين: إن أُريد أن الكبائر تُمحى بمجرد العمل. . فهو باطلٌ، أو أنه قد يوازن يوم القيامة بينها وبين بعض الأعمال، فتُمحى الكبيرة بما يقابلها من العمل، ويسقط العمل فلا يبقى له ثواب. . فهذا قد يقع كما دلت عليه أحاديث؛ كحديث البزار والحاكم: "يؤتى بحسنات العبد وسيئاته يوم القيامة،