المقررة، فجميع الأوامر والنواهي مخصوصةٌ بها في ذهن كل عالمٍ بذلك معتقدًا له، فلا خصوصية لهذا الحديث بها، على أن التعبير بالخير وبالسكوت في مقابلته الدال على أنه خيرٌ أيضًا دليلٌ على ذلك التخصيص؛ لأن المكره عليه منهما يصير خيرًا؛ أي: مباحًا، وعند النسيان هو خيرٌ أيضًا؛ لارتفاع العقاب، فلا يحتاج مع ذلك إلى دعوى تخصيص.
التزام الصمت مطلقًا، واعتقاده قربة إما مطلقًا أو في بعض العبادات كالصوم والحج منهيٌّ عنه؛ ففي خبر أبي داوود: "لا صُمات يومٍ إلى الليل" (?)، وخرج الإسماعيلي النهي عنه في الاعتكاف، وروي أيضًا في الصوم.
وآثر (يصمت) على (يسكت) لأنه أخص؛ إذ هو السكوت مع القدرة، وهذا هو المأمور به، وأما السكوت مع العجز لفساد آلة النطق. . فهو الخرس، أو لتوقفها. . فهو العِيُّ، وكلا هذين لا يحسن الأمر معه بالسكوت.
(ومن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر. . فليكرم جاره) بالإحسان إليه، وكفِّ الأذى عنه، وتحمُّل ما يصدر منه، وبالبشر في وجهه (?)، وغير ذلك من وجوه الإكرام التي لا تحْفى رعايتها على الموفَّقين، قال تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} وهو -أعني الجار- عرفًا: من بينه وبينه دون أربعين دارًا من أيِّ جانبٍ كان من جوانب الدار.
وفي (مراسيل الزهري): أن رجلًا أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم يشكو إليه جارًا له، فأمر صلى اللَّه عليه وسلم بعض أصحابه أن ينادي: "أَلَا إن أربعين دارًا جارٌ" (?) وبه أخذ جمعٌ من السلف.