وهو صريحٌ في أن الكفَّ عن المعصية أفضل من عمل الطاعة، وفي أن الصمت أفضل من الكلام، لكن ذهب جماعةٌ من السلف إلى تفضيل الكلام؛ لأن نفعه متعدٍّ، وسيأتي له مزيد بيان.
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه اللَّه تعالى: (الصمت سلامة، وهو الأصل، والسكوت في وقته صفة الرجال، كما أن النطق في وقته من أشرف الخصال، وسمعت أبا علي الدقاق يقول: من سكت عن الحق. . فهو شيطانٌ أخرس).
قال: (فأما إيثار أهل المجاهدة السكوتَ. . فلِمَا عرفوا ما في الكلام من الآفات، ثم ما فيه من حظوظ النفس، وإظهار صفات المدح، والميل إلى أن يتميز من بين أشكاله بحسن النطق، وغير هذا من الآفات، وذلك نعت أرباب الرياضة، وهذا أحد أركانهم في حكم المنازلة وتهذيب الخلق) (?).
وقال ذو النون: (أصون الناس لنفسه أملكهم للسانه) (?).
وبالجملة: فاللائق بمن يؤمن باللَّه تعالى حقَّ إيمانه، وباليوم الآخر، ووقوع الجزاء فيه أن يستعدَّ له، ويجتهد فيما يدفع به أهواله ومكارهه، فيأتمر بأوامره، وينتهي عن مخالفته، ويعلم أن من أهمِّ ما عليه ضبط جوارحه؛ فإنها رعاياه، وهو مسؤولٌ عنها جارحة جارحة، كما قال اللَّه تعالى: {إِنَّ الْسَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسئُوَلًاْ}.
وإن من أكثر المعاصي عددًا وأيسرها وقوعًا معاصي اللسان؛ إذ آفاته تزيد على العشرين، ومن ثَمَّ قال تعالى: {وَقُوْلُوْا قَوْلًا سَدِيِدًا}، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: "أمسك عليك لسانك" (?)، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: "وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟! " (?)، وقال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من