(لا يقبل) من الأعمال والأموال (إلا طيبًا) أي: لا يثيب إلا على ما يعلمه طيبًا؛ أي: خالصًا من المفسدات كلها كالرياء والعجب، أو حلالًا، سواء أكان بالنسبة لعلمنا أم مشتبهًا، وأما الحرام عنده. . فلا يثيب عليه وإن كان حلالًا عندنا.
نعم؛ القياس أن من تصدَّق بما يظنه حلالًا وهو حرامٌ باطنًا أنه يثاب على قصدِهِ الطاعةَ (?)، وبما قررته يندفع ما أطال به بعض الشُّراح هنا في معنى القبول، وإنما لم يقبل اللَّه الصدقة بالمال الحرام؛ لأن المتصدق تصرَّف فيه، وهو ممنوعٌ من التصرف فيه؛ لكونه مِلْكَ الغير، فلو قبل منه. . لزم أن يكون مأمورًا به منهيًا عنه من جهةٍ واحدةٍ، وهو محالٌ، وهذا معنى ما فهم من فحوى الحديث أن بين الطيب لذاته المقتضي للقبول، والخبيث لذاته المقتضي لعدمه تضادًا يحيل اجتماعهما.
ثم الصدقة بالمال، الحرام إما أن تكون من نحو الغاصب عن نفسه، فهذا هو المراد من الأحاديث الكثيرة في ذلك، المصرحة بأنه لا يُقبَل منه، وأنه لا يُؤجَر عليه، بل يأثم به، ولا يحصل للمالك بذلك أجرٌ على ما قاله جمعٌ، ونقل عن ابن المسيب.
وأما عن صاحبه إذا عجز عن ردِّه إليه وإلى ورثته. . فهذا جائزٌ عند أكثر العلماء، فيكون نفعه له في الآخرة حيث تعذَّر عليه الانتفاع به في الدنيا.
وقال الفضيل في مالٍ حرامٍ لا يعرف أربابه: (يُتلف ويُلقى في البحر، وهو بعيد) (?).
وقال الشافعي رضي اللَّه تعالى عنه: (يحفظ إلى وجود مستحقه إن رُجي) (?).