ثلاثة أقسام لا بالنسبة لذلك (?): مُتَّقِيها (?)، والواقعِ فيها مع اشتباهها عليه، والواقعِ فيها لا مع اشتباه، بأن يعلم حكمها. . اقتصر صلى اللَّه عليه وسلم على القسمين الأولين، وحذف هذا الثالث؛ لظهور حكمه فقال: (فمن اتقى) من التقوى، وهي لغة: جعل النفس في وقايةٍ مما يخاف، وشرعًا: حفظ النفس عن الآثام وما يجرُّ إليها، وهي في عرف الصوفية -قدس اللَّه تعالى أرواحهم-: التبري مما سوى اللَّه سبحانه وتعالى بالمعنى المعروف المقرر عندهم.
وعدل إلى (اتقى) عن (ترك) المرادف له هنا؛ ليفيد أن تركها إنما يعتد به في استبراء الدين والعرض إن خلا عن رياء ونحوه وإن صحبه قصد براءة أحدهما فقط.
(الشبهات) فيه إيقاع الظاهر موقع المضمر؛ تفخيمًا لشأن اجتناب الشبهات؛ إذ هي المشتبهات بعينها، والشبهة: ما يُخيَّل للناظر أنه حجةٌ وليس كذلك، وأُريد بها هنا ما مر في تعريف المشتبه.
(فقد استبرأ) بالهمز، وقد يُخفَّف؛ أي: طلب البراءة (لدينه) من الذم الشرعي وحصَّلَها له، كاستبرأ من البول: حصَّل البراءة منه.
(وعرضه) بصونه عن كلام الناس فيه بما يَشينه ويَعيبه، فهو هنا الحسب؛ وهو: ما يعده الإنسان من مفاخره ومفاخر آبائه، وصونه عن الشين والعيب من آكد ما يعتني به ذوو المروءات والهمم.
وقيل: النفس؛ لأنها التي يتوجَّه إليها الذم والمدح من الإنسان، وفسَّره بعضهم بما يعمهما، فقال: هو موضع الذم والمدح من الإنسان، وذلك إما في نفسه، أو سلفه، أو أهله، وحينئذٍ يسلم من العذاب والذم والعيب على كل تقدير، ويدخل في زمرة المتقين الفائزين بثناء اللَّه تعالى وثوابه، وثناء رسله وخلقه، وروى الترمذي: "لا يكفي أحدًا أن يكون من المتقين حتى يترك ما لا بأس به؛ حذرًا مما به بأس" (?).