اعتبر سبب الظن شرعًا. . حلَّ وأُلغي النظر لذلك الأصل، وإلَّا. . فلا، فلو أرسل كلبًا على صيدٍ ثم غاب عنه بعد جرحه. . حلَّ إن كان الجرح مذففًا (?)، سواء أكان فيه أثر غيره أم لا، وكذا إن كان الجرح غير مذففٍ ولم يكن فيه أثر غيره، بخلاف ما لو غاب عنه قبل جرحه، ثم وجده مجروحًا ميتًا؛ فإنه يحرم وإن تضمَّخ الكلب بدمه.
ولو وُجدت شاةٌ مذبوحة ولم يُدْرَ مَنْ ذبحها، فإن كان أهل البلد مسلمين فقط، أو كانوا أغلب. . حلَّتْ، وإن كان نحو المجوس أكثر، أو استويا. . حرمت؛ لأن أصل التحريم حينئذٍ لم يعارضه أقوى منه.
الرابع: أن يعلم الحل ويغلب على الظن طروُّ محرِّمٍ، فإن لم تستند غَلَبَتُه لعلامةٍ تتعلَّق بعينه. . لم يعتبر، ومن ثَمَّ حكمنا بطهارة ثياب الخمَّارين، والجزارين، والكفرة المتدينين باستعمال النجاسة، وإن استندت لعلامةٍ تتعلَّق بعينه. . اعتُبرتْ وأُلغي أصل الحل؛ لأنها أقوى منه، فلو رأى ظبيةً تبول في ماءٍ كثيرٍ، فوجده عقب البول متغيرًا، أو شك هل تغيره به، أو بمكثٍ مثلًا، وأمكن تغيره به. . فهو نجسٌ؛ بخلاف ما لو وجده متغيرًا بعد مدة، أو وجده عقبه غير متغير، ثم ظهر التغير، أو لم يمكن التغير به لقلته؛ فإنه طاهرٌ عملًا بالأصل الذي لم يعارضه حينئذٍ ما هو أقوى منه.
والحاصل: أنه إذا تعارض أصلان، أو أصلٌ وظاهرٌ. . فقال جماعةٌ من متأخري الخراسانيين: إن في كل مسألةٍ من ذلك قولين، لكن قال المصنف رحمه اللَّه تعالى في "شرح المهذب": (هذا الإطلاق ليس على ظاهره؛ فإن لنا مسائل يعمل فيها بالظاهر بلا خلاف (?)، كشهادة عدلين؛ فإنها تفيد الظنَّ ويعمل بها بالإجماع، ولا نظر إلى أصل براءة الذمة، ومسألة بول الظبية وأشباهها (?)، ومسائل يعمل فيها بالأصل بلا خلاف، كمن ظن حدثًا، أو طلاقًا، أو عتقًا، أو أصَلَّى ثلاثًا أم أربعًا (?)؛ فإنه يعمل بالأصل بلا خلاف).