وفي "الصحيحين" أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "ما من نفسٍ منفوسةٍ إلا وقد كتب اللَّه مكانها من الجنة والنار" فقال رجلٌ: يا رسول اللَّه؛ أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال: "اعملوا؛ فكلٌ ميسرٌ لما خُلق له، أما أهل السعادة. . فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة. . فييسرون لعمل أهل الشقاوة" ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآيتينِ (?)، ففيه: أن الكتاب سبق بالسعادة والشقاوة، وأنهما مقدران بحسب الأعمال، وأن كلًّا ميسرٌ لما خُلِق له من الأعمال التي هي سببٌ لهما، وروي هذا المعنى عنه صلى اللَّه عليه وسلم من وجوهٍ كثيرةٍ.
(رواه البخاري ومسلم) وهو حديثٌ عظيمٌ جليلٌ، يتعلَّق بمبدأ الخلق ونهايته، وأحكام القدر في المبدأ والمعاد، وإنكارُ عمرو بن عبيدٍ من زهَّاد القدرية له من ضلالاته وخرافاته، وحماقته وجهالاته.
وأما ما بيَّنه الخطيب الحافظ وبرهن عليه من أن: "فواللَّه الذي لا إله غيره. . . إلخ" من كلام ابن مسعود. . فمردودٌ عليه، وورودُهُ عنه مدرجًا من قوله في رواية لا تقاوم رواية "الصحيحين" هذه الصريحة في رفعه (?).
وعلي التنزل وأنه مدرجٌ من قوله. . فلا ينسب إليه إلا اللفظ، وأما المعنى. . فهو صحيحٌ عنه صلى اللَّه عليه وسلم من طرقٍ صحيحةٍ؛ منها للبخاري: "إنما الأعمال بالخواتيم" (?).
ومنها لابن حبان في "صحيحه": "إنما الأعمال بخواتيمها كالوعاء، فإذا طاب أعلاه. . طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه. . خبث أسفله" (?).
ومنها لمسلمٍ: "إن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له