لا دليل فيه على كونه ماهيةً بوجهٍ؛ إذ القرب والبينيَّة في ذلك أمرٌ معنويٌّ لا حِسَيٌّ؛ كما دلت عليه النصوص القطعية السمعية، والبراهين العقلية.
وظاهر رواية البخاري: أنه لم يعرفه إلا في آخرة الأمر (?)، وورد: "ما جاءني في صورةٍ لم أعرفها إلا في هذه المرة" (?)، وفي حديث "صحيح ابن حبان": "والذي نفسي بيده؛ ما شُبِّه عليَّ منذ أتاني قبل مَرَّتي هذه، وما عرفته حتى ولَّى" (?).
(أتاكم يعلمكم) بسبب سؤاله، فنسبة التعليم إليه مجاز (?)، وإلا. . فالمعلِّم لهم حقيقةً هو النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
(دينكم) أي: قواعده وأحكامه، وفي رواية ابن حبان: "يعلمكم أمر دينكم، فخذوا عنه" (?).
وفيه: أن الدين هو مجموع الإسلام والإيمان والإحسان، ولا ينافيه أن الإسلام وحده يسمى دينًا بنص: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} لأنه كما يطلق على ذلك المجموع يطلق على هذا الفرد، إما بالاشتراك، أو الحقيقة والمجاز، أو التواطؤ، أو غير ذلك، ومر أول الكتاب للدين إطلاقات أُخر، فلا يغِبْ عنك استحضارها (?).
قيل: وحكمه إرساله: ليعلمهم أنهم كانوا أكثروا على النبي صلى اللَّه عليه وسلم المسائل، فنهاهم كراهيةً لما قد يقع من سؤال تعنُّتٍ أو تجهيل، فألحوا فزجرهم، فخافوا وأحجموا واستسلموا امتثالًا، فلما صدقوا في ذلك. . أرسل لهم من يكفيهم المهمات، ومن ثَمَّ قال لهم صلى اللَّه عليه وسلم: "هذا جبريل، أراد أن تعلموا إذ لم تسألوا" (?).