بالمساواة، ونظيره قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "ما أقلَّتِ الغبراء، ولا أظلَّتِ الخضراء أصدق لهجةً من أبي ذرٍّ" (?) فإنه ليس صريحًا في أنه أصدق العالم أجمع؛ لأن نفي أصدقية أحدٍ عليه لا يستلزم نفي مساواة غيره له في الصدق، وقيل: هما سواء.
وأقول: البخاري أرجح من حيث انفراده بدقة الاستنباط، والغوص على المعاني الغريبة، ومسلم أرجح من حيث جمع الطرق واستيفاؤها بحسب الإمكان، والإشارة إلى ما بينها مما تعظم فوائده عند أهل فن الحديث، وأما من حيث الصحة. . فلا شك أن البخاري فيها أرجح؛ لأن شرطه -وهو أنه لا بد من تحقُّقِ اللقي- آكد وأحوط من شرط مسلم، وهو الاكتفاء بإمكانه، وإن أطال في خطبة "صحيحه" في الرد عليه في اشتراطه ذلك.
ثم رأيت المصنف أشار للأول بقوله: ("كتاب البخاري" أكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة) (?)، والحافظَ أبا بكر الإسماعيلي صرَّح به فقال ما حاصله: إن مسلمًا رام ما رام البخاري؛ لكنه لم يضايق نفسه مضايقته، بل لم يبلغ أحدٌ مبلغه في التشديد، واستنباط المعاني، واستخراج لطائف فقه الحديث، وتراجم الأبواب الدالة على ما له وصلة بالحديث.
وغيرهما صرَّح بالثاني فقال: الإسناد الصحيح مداره على الاتصال وعدالة الراوي، و"كتاب البخاري" أعدل رواةً، وأشد اتصالًا.
وبيانه: أن الذي انفرد بالإخراج لهم دون مسلم أربع مئة وخمسةٌ وثلاثون رجلًا، المُتكلَّم فيه بالضعف منهم نحو الثمانين، والذين انفرد مسلم بهم ستُّ مئة وعشرون، المُتكلَّم فيه منهم مئةٌ وستون على الضِّعف، ولا شك أن من سلم من التكلم فيه رأسًا أقوى ممَّن تُكُلِّم فيه وإن لم يُعَوَّل على ما تكلَّم به فيه، على أن المتكلَّم فيهم في البخاري لم يكثر من تخريج أحاديثهم، بخلاف مسلم، وأيضًا أكثرهم شيوخه الذين هو أعرف بهم من غيره؛ لكونه لقيهم وخَبَرهُم وخَبَرَ حديثهم، وأما المتكلَّم فيهم في