فإن قلنا ببساطتها. . تعيَّن الأول، وورودها لغير الحصر نادرٌ، على أن الحصر إما حقيقيٌّ نحو: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ}، وإما إضافيٌّ نحو: {إِنَمَا اَللَّهُ إِلَهٌ وَحِدٌ}؛ لأن صفاته تعالى لا تنحصر في ذلك، وإنما قصد به الرد على منكري التوحيد، ومنه: "إنما الربا في النسيئة" (?)، بل فهم منه ابن عباسٍ رضي اللَّه تعالى عنهما الحصر الحقيقي، فقصر الربا عليه (?)، وقال الجمهور: إن كان إضافيًا. . فظاهرٌ، أو حقيقيًا. . فمفهومه منسوخٌ بأدلةٍ أخرى.
وإنما حَسُن: (هل قام عمرو) بعد: (إنما قام زيد) ولم يكن تحصيلًا للحاصل (?)؛ لأنها قد يتجوز بها لغير الحصر، وتراخيها فيه عن: (ما قام إلا زيد) لأنه قدر مشترك بينهما، واختص الثاني بزيادة قوة فيه؛ لزيادة حروفه، نظير (سوف) و (السين) في التنفيس؛ ولأنه فيه لفظيٌّ للتصريح بـ (ما) و (إلا) جمعًا بين النفي والإثبات بالمطابقة، وفي (إنما) معنوي.
وقولُ شارحٍ: الأنسب أنها ليست للحصر مطلقًا؛ لخبر: "ما من نبىٍّ من الأنبياء إلا وقد أُوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيتُه وحيًا" (?)، ويلزم من كونها للحصر نفي المعجزة عن غير القراَن، وأنه يمتنع الاحتجاج بغيره؛ لنفي المعجزة عنه. . ليس في محله (?)؛ لما قررناه من أن الحصر يكون إضافيًا، وهو هنا كذلك، فحصر المعجزة في القرآن ليس لنفيها عن غيره، بل لتمييزه عن سائر المعجزات بأنه المعجزة الكبرى الدائمة المحفوظة من التغيير والتبديل، التي لم يُقهَر المعاندون بمثلها، فصارت المعجزات كلها كأنها في ضمنه فحصرت فيه.