ذلك فضيلة لا حتم. فقد قرر- صلى الله عليه واله وسلم- أصل الرقية، ومدح عليها، وأخذ من الجعل المجعول لصاحبها كما تقدم في حديث الرقية. وهذا باب من أبواب الطب والتداوي به. وقد صح عنه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الأمر (?) بالتداوي وإن كان التوكل (?) أفضل من ذلك، فإنه قد يشفط الله المريض على يد ذلك الراقي برقية حق لا برقية باطل، فإنه أخبرني بعض ثقاة العلماء أن والده وكان من كبار العلماء الحريصين على العمل بالسنن، وهجر البدع نشب بحلقه عظم، وأعيت الحيلة في استخراجه، فجاء رجل من أهل هذه الصناعة الذين يقال لهم في بلادنا مقذيون، وهم من جملة من يندرج تحت اسم الراقين، فرقاه فخرج العظم من حلقه. فهذا صنع حسن، وطب محمود، ورقية نافعة. ولهذه القصة أخوات كثيرة.
والحاصل أنه لا فرق بين من يرقط من حمة، وبن من يرقي مما يؤذي، لأن الجامع بينهما أنه استخراج من البدن لما يحصل به التأذي، وإن اختلفا بشدة التألم والإفضاء إلى الموت في البعض دون البعض، مهما كانت بحق لا بباطل، فالكل من باب [5أ] الطب المحمود، وفيه أجر عظيم، لأن الإنسان يشح بنفسه فوق شحه. بماله، والتسبب لعافيته من مرضه أعظم أجرا من التسبب لغناه ودفع الحاجة عنه، ولذا قال الشاعر:
يجود بالنفس إن ضن الجبان بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وهذا معلوم لكل فرد من أفراد بني آدم أنه يطلب ما يدفع عنه المرض طلبا فوق طلب