وقد صرَّحوا بذلك في قولهم [1]: جعل الغوايةَ مركبًا، وامتطى الجهلَ، واقتعدَ غارِبَ الهوى ... انتهى.
وكل ناظر يعلم أن المحكومَ عليه في كلامه هذا بكونه مثلاً هو معنى الاستعلاء، وليس في مثل هذا نزاعٌ، ولا هو بموضوع اشتباهٍ، فإنه كلام على معنى الاستعلاء الذي عَنْونَ به كلامَهُ، وعقد البحث عليه. ولا شك ولا شبهةَ أن هذا الاستعلاءَ الذي ذكره هنا وتكلَّم عليه هو متعلَّق معنى الحرف المذكور في الآية الكريمةِ، أعني (على)، وليس فيها ما يفيد هذا المعنى قطُّ غيرُهُ.
فالزمخشريُّ قد حكم على متعلَّق هذا المعنى الحرفي بأنه مَثَلٌ لتمكُّنِهم من الهدى، واستقرارهم عليه، وتمسُّكِهم به. ثم زاد المقامَ إيضاحًا وبيانًا بأن متعلِّق ذلك المعنى الحرفيِّ استعارةٌ تمثيليةٌ، فقال: شُبِّهَتْ حالُهم بحالِ منِ اعتلى الشيء وركبَه، فلم يبقَ شكٌّ حينئذٍ في مرادهِ ومعنى كلامِه، بل وضوحُه غنيٌّ عن البيان، فإنه لم يستغنِ بالحكم على المعنى الحرفي بكونِه مثلاً حتى فسَّر ذلك المثلَ بأنه تشبيهُ الحالةِ بالحالة.
وإذا تقرر لك أن المحكومَ عليه بكونه مثلاً هو متعلَّق ذلك المعنى الحرفي فأنت لا يخفى عليك أن الاستعارةَ في متعلَّق معاني الحروف تبعيةٌ، كما صرَّح به علماء البيانِ تصريحًا يستغني عن البيان. (?).