وفي الصحيحين (?) وغيرهما أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا لابن عباس فقال: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل"، فكان له من العلم والدراية بالتفسير [38] ما هو معلوم عند كل عارف، حتى كانوا يسمونه البحر.
وفي صحيح البخاري (?) أن عبد الله بن هشام كان يخرج إلى السوق فيتلقاه ابن الزبير، وابن عمر فيقولان: أشركنا، فإن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد دعا لك بالبركة فيشركهم، فربما أصاب الراحلة كما هي، فيبعث بها إلى المنزل.
وفي صحيح مسلم (?) من حديث سلمة: "أن رجلا، أكل عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشماله، فقال له: كل بيمينك، فقال: لا أستطيع، قال: لا استطعت، ما منعه إلا الكبر قال: فما رفعها إلى فيه".
واعلم -أرشدني الله وإياك- أن دلائل نبوة نبينا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يحيط بها القلم، وإن طال شوطه، وقد صنف أهل العلم في ذلك مؤلفات مبسوطة مطولة كما عرفناك سابقا، وأرشدناك إلى مصنفات بعض المصنفين في هذا الشأن، ولم نذكرها هنا إلا نزرا يسيرا، وقدرا حقيرا مما في الصحيحين أو أحدهما، وقد بقي فيها غير ما ذكرنا كمالا يخفى على العارف بها، ولو ذكرنا جميع ما فيها وما في بقية الأمهات الست، وما في سائر كتب الحديث والسير لجاء من ذلك كتابا مطولا، ومؤلفا حافلا.
ولكن لما كان الغرض هاهنا هو التنبيه على اتفاق جميع الشرائع على إثبات الثلاثة المقاصد التي جمعنا هذا المختصر لها كان فيما ذكرنا ما يفيد ذلك، ولو كتبنا هاهنا الآيات القرآنية الدالة على كل مقصد من هذه المقاصد لأتينا على غالب الآيات القرآنية، وعلى كثير من الأحاديث الصحيحة.