والحاصل أن في الشريعة المطهرة مما لا يمكن تعقل وجه الحكمة فيه ما لا يأتي عليه الحصر، وانظر هل يدعي مدع، أو يزعم زاعم أنه يعرف وجه الحكمة في كون حد الزنا مائة جلدة، وحد القذف ثمانين جلدة، وحد الشرب أربعين أو ثمانين.

فكل عاقل فضلا عن عالم لا يشك ولا يرتاب في بطلان هذه الدعوى، وكذب هذا الزعم.

ولو ذهب ذاهب يتكلم في ذلك لجاء بما يضحك منه كل سامع، ويسخر منه كل عاقل.

وإذا عرفت هذا وتقرر عندك معناه فاعلم أن وجه الحكمة [2أ] في المؤاخاة هو ظاهر الوجه، واضح المنزع، بين السبب، جلي الفائدة. وليس القول فيه من التكلف لما لا يعلم، ولا من التقول على الله بما لا حقيقة له؛ فإن كل عاقل فضلا عن عالم يعرف أن تعاضد الرجلين على أمور المعاش، وتحصيل ما يكون به السداد من عوز الحاجة له مزيد تأثير على ما يكون من الواحد الفرد، وهكذا التعاضد على الأمور الدينية، والتعاون على تحصيلها، فإن ذلك من الأثر ما لا يخفي على عاقل، ولهذا أمر الله - سبحانه - به في قوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (?) وهكذا كل ما ورد في الكتاب والسنة من الندب للعباد إلى التعاضد والتناصر والتعاون، فإن وجه الحكمة فيه هو من هذا القبيل، بل لذلك تأثير في التعاضد على مجرد إدارة الرأي والتفاوض فيما ينوب من الأمور كما قال شاعر:

ورأيان أحزم من واحد ... ورأي الثلاثة لا ينقض

ومعلوم أن الأخوة (?) الدينية الكائنة على لسان النبوة المصطفوية الصادرة عن الترجيح المحمدي - عليه أشرف صلاة وأكمل تسليم - يكون لها في قلوب المؤمنين من المواقع ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015