فيقوم بين ظهراني المسلمين مرغبًا لهم في تجهيز الغزاة، نادبا لهم إلى هذه الخصلة الشريفة، والحسنة الرفيعة، والقربة العظيمة، فإن فعلوا فقد ظفروا بالخير، وظفر هو بأجر الدلالة عليه وإن أبوا فلا إكراه لهم ولا إجبار عليهم في أموالهم المعصومة بعصمة الإسلام المحترمة بحرمة الدين.

ثم اعلم أن هذه الآيات التي استدلوا بها معارضة بما هو أوضح دلالة منها، وهي الآيات المصرحة بتحريم أموال العباد كقوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (?) [5 أ] ونحوها، وبالأحاديث الناطقة بالمنع من أخذها كما ثبت في الصحيح عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) (?) وكان هذا القول منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في حجة الودع التي تعقبها موته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، فهو ناسخ لكل ما يظن أن فيه ترخيصًا في أموال العباد، أو توسيعًا لدائرة التهافت على الأموال [المحترمة] (?)؛ لأن الأدلة المتأخرة ناسخة لما تقدمها، فكيف إذا كانت مشتملة على النهي والتحريم! فإنه لو فرض جهل التاريخ لكان النهي أرجح من الأمر، والدال على التحريم أقدم من الدال على الإباحة كما تقرر في الأصول (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015