أقول: نعم، ولا ذلة عليهم مع عدم مساكنة أعداء الله؛ لأن كون هذه القضية فيها غاية الإهانة على المسلمين بالنسبة إلى إعفاء اليهود منها، ومشاهدتهم لمباشرة المسلمين لذلك، وتقذرهم لفعلهم، حتى تراهم إذا رأوا المسلم يباشر ذلك يتجنبون القرب منه، ويسدون أنافهم، فمن هاهنا - يا فخر الإسلام - جاءت الذلة العظيمة، وكان في تخليص المسلمين منها غاية العزة.
قال: فبعد قول الله: {ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًّا} (?) لا مجال للكلام إلخ.
أقول: وقد صرح - جل جلاله -: برفع المؤمنين ووضع الكفار، وجعل الرفع في هذه المقيدة بما في آية رفع المؤمنين معللًا بقوله: {ليتخذ بعضهم بعضًا [17] سخريًّا} (?) وقد رفعكم الله، ورفعنا بالإيمان، وخصكم بالأقدار على إنفاذ الأوامر؛ فاتخذوا هؤلاء الملاعين سخريًّا. ولا يقولوا قد اتخذناهم سخريًّا في كذا وكذا؛ فإن ذلك أمر مشترك بينهم وبين المسلمين ولكن:
انزلوها بحيث أنزلها الله ... بدار الهوان والإتعاس
ذلها أظهر التودد منها ... وبها منكم كحر المواس
وقد سبق ما أسلفناه في نقل الأزبال إلى الأموال، فلا نعيده هنا في الجواب على ما ذكرتم.
قال: وهاهنا مانع من استدلال بالآية على العموم إلخ.
أقول: لم ندع العموم حتى يرتب على ذلك منعنا من الاستدلال بها، إنما جعلناه وصفًا مادحًا ترغب في التلبس به النفوس، لما قررنا من ظهور عدم عزة أهل هذه الحرفة من المسلمين على اليهود؛ لمباشرتهم لما لا يساعدون عليه، ويرونه من أعظم صفات الذلة، والنقص والمهانة، والمسلم أخو المسلم (?)؛ فبذل الجهد في تحصيل المعزة له