بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأصلي وأسلم على رسولك وآله، ورضي الله عن صحبه، وبعد:
فإنه كثيرا ما يقع البحث بين أهل العلم في وجود الجن، والباعث على ذلك هفوة وقعت من بعض علماء هذه الديار الموجودين بعد مضي ألف سنة من الهجرة. ولم يكن ذلك منه عن اعتقاد مطابق لما تكلم به، لأنه من علماء الكتاب والسنة، ومن أهل الدين المتن، ولكنه باحثه بعض المقصرين في هذه المسألة فجزم في مقام المباحثة بعدم وجودهم كما يقع كثيرا بين المتناظرين من النقض والمعارضة.
واعلم أنه لم يتقدم إلى إنكار ذلك من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وعلماء الإسلام أحد قط، وإنما هي مقالة مروية عن جماعة من الفلاسفة، وجمهور الزنادقة، وهؤلاء لا نتكلم معهم في هذا المقام، فإنهم لا يتمسكون بشيء من الحجج القرآنية، والأحاديث النبوية، ولا يلتفتون إلى شيء من ذلك. وقد فرغ منهم الشيطان وأخرجهم من زمرة الإسلام، ولكنا نتكلم هاهنا مع بعض القائلين بذلك من المعتزلة (?)، فقد نقل جماعة عن جمهورهم، ونقله آخرون عن البعض منهم، وهذه الطائفة من أهل الإسلام، ومن المتمسكين بشرائعه، وإن خالفوا في بعض المسائل الأصولية خلافا تدفعه النصوص القرآنية، ومتواتر السنة، فلم يكن ذلك منهم كيادا للدين، ولا دفعا في وجه شريعة المسلمين، بل تمسكوا بشبهة أشبهت عليهم قالوا بها وقصروا عن العلم بغيرها مما يدفعها ويرفع لبسها.
ولكن الشأن في إنكار من أنكر (?) منهم وجود الجن (?)، فإنه لا يكون إلا أحد رجلن: