عليه من القائمين في مقامات العبادة، والقاعدين في مقاعد الزهد والورع، والمستكثرين من طاعة الله عز وجل، والعازفين نفوسهم عن معاصيه، وذلك أن كل واحد من هؤلاء صار يجاهد الشيطان عن نفسه ويدفعهم عن حوضه، ويفارقه عن عشه وبيضه، ويذوده عن أن يتعرض لشيء من طاعاته بالتشكيك عليه، أو الوسوسة له، وهذه مصلحة خاصة بنفس هذا الرجل الصالح المشتغل بمراضي الله عز وجل، المجتنب لمغاضبه.
وأما القائم بما أمره الله به من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فهو قائم لإصلاح عباد الله، بعد إصلاحه نفسه، فلا يزال زاجرًا لهم عن المنكرات، مرغبًا لهم في أنواع الطاعات، ومحذرًا لهم من مكر الشيطان الرجيم، مبينًا لهم ما ينصبه من حبائل الخذلان لعباد الله، وما يزينه لمن لم يرسخ قدمه في الإيمان، ومن هذه الحيثية كان مقامه عام النفع [8أ] ومصلحته شاملة للجمع الجم، فهو في حكم المصاول للشيطان عن عباد الله سبحانه، المحاول له عند أن يريد الإغواء بالأهواء، والاستدراج بشهوات الأنفس، من التنعم باللذات، والتمتع بالمحرمات، والتلذذ بالموبقات، فهو العدو الأكبر لفريق الشياطين أجمعين، والقائم في كل مواطنه بالمحاربة لهم، عن أن يتم كيدهم على أحد من عباد الله الصالحين، والمصاولة لهم عن أن يتسلطوا على أحد من المؤمنين أجمعين (?).