العمل [5أ] بشهادتهم فطلب من المدعي أن يأتي بزيادة على تلك الشهادة التي قد كمل نصابها تثبتًا، وتحريًا، وطلبًا للطمأنينة فليس عليه بذلك بأس، لكن إذا لم يجد المدعي غير تلك الشهادة التي قد كمل نصابها لم يجز للحاكم أن يترك الحكم له، بل يجب عليه أن يحكم له بتلك الشهادة، لأن ما حصل له من الريبة لا يسوغ له به ترك الحكم مع كمال النصاب قائلاً ما قاله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " إنما أقضي بما أسمع، فمن قضيت له بشيء من مال أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار " (?) ولا شك ولا ريب أن طلب الطمأنينة سنة أنبياء الله - عليهم السلام -: قال تعالى: {ولكن ليطمئن قلبي} (?) ويقول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فيما صح عنه: " نحن أحق بالشك من إبراهيم " (?) فإذا كان هذا حال الأنبياء فيما بينهم وبين ربهم - عز وجل - فكيف ينكر ذلك على قاض قد وقف على شفير النار فطلب لنفسه الطمأنينة، غير تارك لما يوجبه الشرع!
فإنه قد قام مقامًا يقطع فيه أموال الناس ودماءهم وأعراضهم لبعضهم البعض، ولا سيما في مثل هذه الأزمنة التي قد فشا فيها الكذب فشوًا زائدًا على الأزمنة المتقدمة. وقد صح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في الصحيحين (?) وغيرها (?) أنه قال: " خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب " فإذا كان ابتداء فشو الكذب عند انقراض أتباع التابعين فما بالك بزمننا هذا! وإني أرى أن هذه حجة قوية لمن توقف عن الحكم بعد كمال النصاب المعتبر فيه، وبحث وفحص حتى