دون بعض ... إلخ.
وأقول: هذه الكلية ممنوعة الصحة، فإن لمريد التوسع في المعارف الزائدة على العلوم المعتبرة في الاجتهاد مدخلا في ذلك، فقد يختص من هو أكثر علمًا باستنباط ما لا يقتدر على استنباطه والوصول إليه من هو دونه في ذلك، وهذا معلوم لكل عارف، فإن من كان مثلا أرسخ في علم البلاغة يمكنه أن يستخرج بفاضل عرفانه من الكتاب العزيز، والسنة المطهرة ما لا يمكن من هو دونه، وهكذا من كان متبحرًا في أصول الفقه، مطلعًا على دقيقها وجليلها، متدربًا في مباحثها، فإنه يمكنه أن يسلك في مسالك الجمع والترجيح والاستنباط ما لا يسلكه الذي هو دونه في ذلك، مع كونه قد حصل القدر المعتبر في الاجتهاد عنده، وهكذا من توسع في علم السنة، ولم يقف على كتاب، ولا على كتب معينة، بل طول باعه في ذلك تطويلا لم يصل إليه غيره من المجتهدين المعاصرين له، أو بعضهم، فإنه قد يقف على دليل الحكم من مخرج صحيح أو حسن من هو دونه في ذلك لا يدري بأن الدليل موجود فضلا عن أن يستدل به، ومع ذلك فالقرائح مختلفة والأفهام متفاوتة، والإدراكات متباينة، فقد يكون بعض المجتهدين المستويين في المقروءات والمحفوظات أقدر على الاستنباط من الآخر بفاضل ذهنه، وصافي قريحته، وصحيح إدراكه، فكيف يقال: إن الاستنباط لا يختص به بعض العلماء دون بعض، فإن كل عالم قد شاهد الاختلاف في أهل عصره، وطالع مؤلفات المجتهدين فوجدها متفاوتة تفاوتًا يزيد على التفاوت الكائن بين السماء والأرض، والمشرق والمغرب، ومن أنكر هذا فهو مكابر بلا شك ولا شبهة.
وقلتم: وشروطه (?) هينة على من استعد للتحصيل ... إلخ.