من العصور [5أ] الإسلامية: إن التعبد بهذه الشريعة المحمدية قد ارتفع بموته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وأنه لم يبق على هذه الأمة شيء من أحكامها - لما جاوبه المسلمون عن هذه المقالة إلا بالسيف، كائنًا من كان، وفي أي عصر كان، فضلاً عن أن يسمعوه الحجج الشرعية ويناظروه في ذلك مناظرة من خالف في مسألة من مسائل الدين، وإنما قلنا: إنه يلزم من ذلك طي بساط الشريعة؛ لأنا قد قدمنا أنه لا فرق بين مسائل العبادات وبين مسائل المعاملات، وأن من قال: لا تجب الإجابة إلى حكام الشريعة في مسائل المعاملات، فقد لزمه رفع التعبد بها من بعد عصر النبوة.
ولا وجه لتخصيص عدم التعبد للأمة بمسائل المعاملات دون مسائل العبادات؛ لأن الكل شريعة شرعها الله لعباده في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله، فنسبة الكل إلى مطلق الشريعة نسبة واحدة، وليس البعض بالانتساب إلى الشريعة المطهرة أولى من بعض بإجماع المسلمين. وإما كون ذلك معلومًا بالضرورة الدينية فيما يجده كل متشرع من نفسه، سواء كان مقصرًا في معرفة الشريعة، أو كاملاً من العلم الضروري الحاصل عنده في جميع الأوقات أنه وسائر المسلمين متعبدون بهذه الشريعة الموجودة بين ظهراني المسلمين.
وإذا قد فرغنا من سؤال الاستفسار بعد تقريره على هذا الوجه الموجب للاتفاق على أحد شقيه، وهو وجوب إجابة الدعوة إلى الشريعة المطهرة بعد عصر النبوة، فلنتكلم الآن على ألفاظ المناقشة التي أوردها المناقش - كثر الله فوائده -.
فنقول: أما ما ذكره فيما كتبناه سابقًا من كلامه أن الآية التي وقع الاستدلال بها - أعني قوله تعالى -: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} (?) نزلت في المنافق واليهودي، فهذا على تقدير تسليمه لا