يفرق بين الكفرين، ولم يميز بين الأمرين، وذكر ما عقده البخاري في صحيحه من كتاب الإيمان في كفر دون كفر، وما قاله العلامة ابن القيم: إن الحكم بغير ما أنزل الله، وترك الصلاة من الكفر العملي، تحقيقه أن الكفر كفر عمل وكفر جحود وعناد، فكفر الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحودا وعنادا، فهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه، وأما كفر العمل فهو نوعان: نوع يضاد الإيمان، ونوع لا يضاده.

ثم نقل عن ابن القيم كلاما في هذا المعنى. ثم قال السيد المذكور: قلت: ومن هذا -يعني الكفر العملي- من يدعو الأولياء [38] ويهتف هم عند الشدائد، ويطوف بقبورهم، ويقبل جدرانها، وينذر لها بشيء من ماله؛ فإنه كفر عملي لا اعتقادي، فإنه مؤمن بالله وبرسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وباليوم الآخر، لكن زين له الشيطان أن هؤلاء عباد الله الصالحون ينفعون، ويشفعون، ويضرون، فاعتقدوا ذلك جهلا كما اعتقده أهل الجاهلية في الأصنام، لكن هؤلاء مثبتون التوحيد لله لا يجعلون الأولياء آلهة كما قاله الكفار إنكارا على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لما دعاهم إلى كلمة التوحيد:} أجعل الآلهة إلها وحدا {(?)، فهؤلاء جعلوا لله شركاء حقيقة، وقالوا في التلبية: " لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك" (?) فأثبتوا للأصنام شركة مع رب الأنام وإن كانت عباراتهم الضالة قد أفادت أنه لا شريك له، لأنه إذا كان يملكه وما ملك فليس بشريك له تعالى، بل مملوك، فعباد الأصنام جعلوا لله أندادا، واتخذوا من دونه شركاء، وتارة يقولون: شفعاء يقربونهم إلى الله زلفى، بخلاف جهلة المسلمين الذين اعتقدوا في أوليائهم النفع والضر؛ فإنهم مقرون لله بالوحدانية، وإفراده بالإلهية، وصدقوا رسله، فالذي أتوه من تعظيم الأولياء كفر عمل لا اعتقاد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015