يجيبونك فما أظنك تنجو من شرهم، ولا تأمن من معرتهم، وقد يستحلون بذلك دمك ومالك، وأورعهم يستحل عرضك وعقوبتك، وهذا يكفيك إن كان لك فطرة سليمة، وفكرة مستقيمة.
ثم انظر كيف خصوا بعض علماء المسلمين، واقتدوا بهم في مسائل الدين، ورفضوا الباقين، بل جاوزوا هذا إلى أن الإجماع ينعقد بأربعة من علماء هذه الأمة، وأن الحجة قائمة بهم، مع أن في عصر كل واحد منهم من هو أكثر علما منه، فضلا عن العصر المتقدم على عصره، والعصر المتأخر عن عصره. وهذا يعرفه كل من يعرف أحوال الناس، ثم تجاوزوا ذلك إلى أنه لا اجتهاد لغيرهم، بل هو مقصور عليهم، فكأن هذه الشريعة كانت لهم لا حظ لغيرهم فيها، ولم يتفضل الله على عباده بما تفضل عليهم.
وكل عاقل يعلم أن هذه المزايا التي جعلوها لهؤلاء الأئمة رحمهم الله - إن كانت باعتبار كثرة علمهم، وزيادته على علم غيرهم، فهذا مدفوع عند كل من له اطلاع على أحوالهم، وأحوال غيرهم؛ فإن في أتباع كل واحد منهم من هو أعلم منه لا ينكر هذا إلا مكابر أو جاهل، فكيف بمن لم يكن من أتباعهم [35] من المعاصرين لهم، والمتقدمين عليهم، والمتأخرين عنهم! وإن كانت تلك المزايا بكثرة الورع والعبادة فالأمر كما تقدم، فإن في معاصريهم والمتقدمين عليهم والمتأخرين عنهم من هو أكثر عبادة وورعا منهم، لا ينكر هذا إلا من لا يعرف تراجم الناس، وكتب التواريخ، وإن كانت تلك المزايا بتقدم عصورهم، فالصحابة والتابعون أقدم منهم عصرا بلا خلاف، وهم أحق هذه المزايا ممن بعدهم لحديث: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين