فكيف يحق الاستدلال بهذه الآية على جواز تعميم العقوبة منا لمن تعلم أنه لم يكن من تلك الجناية في شيء!؟ مع أن الله لم يشرع فيها لأهل الفتن أن يصيبوا بها المذنب وغيره، ولا قال: إنه يحل لهم ذلك، أويجوز بل قال: إن الفتن من شأنها إصابة من كان ظالما، ومن كان غير ظالم مع نهيه عنها وأمره باتقاء أسبابها، بل ثبت عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أنه جعل هذه الفتن التي يكون فيها البريء كغيره من علامات القيامة وآيات قرب الساعة. وأين يقع هذا الستدلال من استدلال من استدل على أصالة المنع بقوله تعالى (ولا تأكلوا أمولكم بينكم بالباطل) (?) وبماصح [3أ] عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وتواتر تواترا معنويا من قوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "إن دماءكم وأموالكم وأعرضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا"ٍ (?) الحديث، وبقوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "لا يحل ماء امرىء مسلم إلا بطيبة من نفسه" (?) فهذه الآية قاضية بأنه لايحل من مال أحد من المسلمين مثقال ذرة إلا بحقه، وهو ما ذكره الله تعالى من طيبة نفسه، أوما كان بالحق كما يدل عليه قوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) (?) وهذه الأدلة الشرعية يعدها الدلالة العقلية، فان أخذ المال من صاحبه بغير وجه شرعي يستلزم إيلام صاحبه وترره في الغالب، ولا سيما إذا أجحف بماله وهو قبيح عقلا. وقد خصصت تلك الأدلة الشرعية بأمور منها: القسامة، فانها مستلزمة لتغريم من لا ذنب له في الغالب، ولهذا عدها أهل العلم مما ورد على خلاف القياس، لأن منهج هذه الشريعة المطهرة أن لا يؤخذ البريء بذنب المذنب. قال الله- عز وجل- (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (?)، وقال: .........................

طور بواسطة نورين ميديا © 2015