والحق ما ذهب إليه القائلون بعدم التقدير (?)، لاختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والأشخاص؛ فإنه لا ريب أن بعض الأزمنة قد يكون أدعى للطعام من بعض، وكذبك الأمكنة، فإن في بعضها قد يعتاد أهله أن يأكلوا في اليوم مرتين، وفي بعضها ثلاثا، وفي بعضها أربعا، وكذلك الأحوال؛ فإن حالة الجدب تكون مستدعية لمقدار من الطعام أكثر من لمقدار الذي تستدعيه حالة الخصب، وكذلك الأشخاص، فإن بعضهم قد يأكل الصاع فما فوقه، وبعضهم قد يأكل نصف صاع، وبعضهم ربع صاع، وبعضهم دون ذلك.
وهذا الاختلاف معلوم بالاستقراء التام، ومع العلم بالاختلاف يكون التقدير على طريقة واحدة ظلما وحيفا، ثم إنه لم يثبت في هذه الشريعة المطهرة التقدير بمقدار معين قط، بل كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يحيل على الكفاية مقيدا لذلك بالمعروف، كما في حديث عائشة عند البخاري (?)، ومسلم (?) وأبي داود (?)، والنسائي (?) وأحمد بن حنبل (?)، وغيرهم (?) أن هندا قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ". فهذا الحديث الصحيح فيه الإحالة على الكفاية (?) مع التقييد